قبل نحو 10 أيام، انشغلت وسائل الإعلام البريطانية بمنشور وزعه مجهولون على المارة في وسط لندن يدعو إلى "الهجرة إلى دولة الخلافة الإسلامية" التي أعلنها تنظيم "داعش". وبعدها بأسبوع، أفاقت بريطانيا على صورة مواطنها المُكنى "جون الجهادي" وهو يجز رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي في فيديو حمل توقيع "داعش" وأثار استنفاراً غربياً كبيراً. قطع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الأمريكي باراك أوباما عطلتيهما للتعامل مع أزمة مقتل فولي. تعهد الأول بحزمة من الإجراءات لوقف تدفق الجهاديين البريطانيين على العراقوسوريا ومواجهة التنظيم الذي اعتبره "تهديداً مباشراً لبريطانيا"، فيما دعا الثاني إلى عمل جماعي للقضاء على "سرطان داعش". جاء فيديو «جون الجهادي» الذي شكّل مع ثلاثة بريطانيين آخرين في مدينة الرقة السورية (معقل داعش) خلية أطلق عليها رفاقهم اسم «البيتلز» نسبة إلى الفريق الغنائي البريطاني الشهير، لينضم إلى سلسلة من الفيديوهات المماثلة التي أعدها بريطانيون التحقوا بقوافل الجهاديين الغربيين في سورياوالعراق. وفق أكثر التقديرات تحفظاً، قدمت بريطانيا وحدها أكثر من ربع الجهاديين غير العرب في صفوف "داعش" وأخواته. والأعداد تتراوح بين 500 و1200 مقاتل بريطاني (قُتل منهم نحو 20 في المعارك)، لذا كان طبيعياً في ظل هذه الأرقام اللافتة أن تنشغل لندن بمحاولة تفسير ما جرى. غير أن المحاولات البريطانية التي انخرطت فيها مراكز بحثية وسياسيون ووسائل إعلام وخبراء في مكافحة التطرف، تجاهلت مساهمة لندن الكبيرة في هذه الظاهرة، خصوصاً عبر تحالفها الطويل مع جهاديين وجماعات إسلامية راديكالية، والذي بلغ ذروته خلال عقد التسعينيات حين وُصمت العاصمة البريطانية بلقب «لندنستان» بسبب تحولها ملجأ آمناً لإسلاميين ملاحقين بتهم الإرهاب في بلدان عدة. منحت بريطانيا رموز «لندنستان» نافذة لنشر خطابهم الذي ظنت أنها ستكون بمأمن من عواقبه، إلى أن أفاقت على تفجيرات مترو لندن في 2005 لتكتشف أن بعض منفذيها تتلمذوا على يدي «أبوحمزة المصري» الذي اعتبرته المخابرات البريطانية "شريكاً في مكافحة الإرهاب"، كما قال لاحقاً في محاكمته الأمريكية قبل شهرين. بمد الخط على استقامته، لم تكن مفاجأة أن ينشر ابن القيادي في تنظيم «الجهاد» عادل عبدالباري الذي منحته بريطانيا اللجوء السياسي في مطلع التسعينيات، صورته قبل أيام مع رأس مقطوع لجندي سوري ليعلن بها انضمامه إلى "داعش". وإضافة إلى هذه "المساهمة" المباشرة للندن في الظاهرة، يكفي التأمل في قصص الجهاديين البريطانيين الجدد ورسائلهم لرصد إشارات كثيرة إلى أزمة الهوية والاندماج الواضحة لدى معظمهم: عبدالباري الابن كان مغنياً لموسيقى الراب. رياض خان تحدث طويلاً عن مصاعب مراهقته في منطقة فقيرة غرب بريطانيا داعياً إلى نفض "غبار بلاد الكفر من رئتيك". الاسم الذي أطلق على مجموعة «جون الجهادي» وحديث المراهقة البريطانية المتحولة إلى الإسلام خديجة داري التي التحقت بالقتال في سوريا عن افتقادها «الوجبات السريعة والأطعمة الصينية» التي اعتادت تناولها في لندن، أدلة أخرى على أن الجهاديين الأوروبيين أبناء أزمات مجتمعاتهم بقدر ما هم أبناء أزمة الخطاب الديني الإسلامي. فإذا كان بعضهم تحرك مدفوعاً بأفكار دينية متشددة، فلا يمكن إغفال مفارقة أن آخرين حصّلوا قدراً من المعرفة الدينية لم يبلغ حتى مستوى الأساسيات قرروا المشاركة في القتال، مثل الثنائي يوسف سروار ومحمد أحمد اللذين طلبا عبر الإنترنت قبل السفر للقتال في سوريا كتابين عن القرآن والإسلام من سلسلة For Dummies (للأغبياء) التعليمية الشهيرة التي تقدم المعلومات الأساسية للمبتدئين عن موضوع ما. أضف إلى هذا اتجاه نسبة لافتة من الغربيين المتحولين للإسلام إلى الانخراط في جماعات العنف على غرار «داعش». القائمة طويلة من البريطاني ريتشارد ريد الذي خطط لتفجير قنبلة خبأها في حذائه على متن طائرة، وصولاً إلى «جون الجهادي» وخديجة داري. ليست هذه محاولة للقول بأن أزمة الخطاب الإسلامي بريئة من «داعش» أو أن التنظيم نبت غريب على منطقتنا، لكن تجاهل حكومات غربية على رأسها بريطانيا الاعتراف بمسؤوليتها عن تفاقم ظاهرة «جهاديي البيتلز» استخفاف بالعقول وبداية خاطئة للتعامل مع تهديد وجد ليبقى. تويتر: Mohamed Hani (mohamedhani) on Twitter اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة