لم يتوقف «تحالف دعم الشرعية» عن تبشير أنصاره بأن «الانقلاب يترنح» رغم تحول الشعار إلى نكتة لفرط تكراره بلا سند من واقع على امتداد أكثر من عام. إلا أن «الترنح» بدا في نهاية المطاف من نصيب التحالف الذي تؤكد المواقف الأخيرة لأطرافه أن تفككه بات مسألة وقت. فبعد شهور من الخلافات المكتومة بين جماعة «الإخوان المسلمين» وشريكيها الأكبر في التحالف حزب «الوطن» السلفي و«الجماعة الإسلامية»، أعلن الأخيران أنهما يدرسان الانسحاب من التحالف لخوض انتخابات مجلس النواب المرتقبة. وصاحب الإعلان تزايد الأصوات المنتقدة ل«الإخوان» بين قيادات «الجماعة الإسلامية» و«الوطن». سبقت هذه المواقف اتصالات عبر وسطاء بين النظام الجديد وشريكي «الإخوان» لإقناعهما بالانسحاب من التحالف. ثم سمح النظام لمساعد الرئيس المعزول عماد عبدالغفور بالسفر إلى تركيا للقاء قياديين في «الإخوان» ومحاولة إقناعهم بالتخلي عن مقاطعة الانتخابات. غير أن اتصالات النظام لم تصنع الانشقاق الأخير في التحالف، بقدر ما لعبت على تناقضات داخلية تعاني منها منذ فترة صفوف شركاء «الإخوان»، ومحورها جدوى الاستمرار في المواجهة. هذه التناقضات عبرت عنها علناً مواقف قيادات مثل عبود الزمر ومحمد ياسين في «الجماعة الإسلامية» وراضي شرارة في «الوطن»، ثم جاءت الاتصالات الأخيرة لترجح - على ما يبدو - كفة التيار المتململ من التمادي في معركة يرى أنها تخص «الإخوان» بالأساس. لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار تحركات النظام، خصوصاً سماحه لعبدالغفور بالتواصل مع قيادات «الإخوان» لإقناعهم بخوض الانتخابات، مقدمة لمصالحة شاملة أو قبول بإعادة إدماج «الإخوان» في العملية السياسية؟ يمكن القول إن الإشارات الصادرة من النظام و«الإخوان» تؤكد أنهما غير مستعدين لاستحقاقات التسوية، فالجماعة ردت على مساعي عبدالغفور، كما تعاملت مع من سبقوه من الوسطاء، بمطالب تعرف جيداً أنها شبه مستحيلة، فيما قدم النظام دليلاً إضافياً على أنه لن يقبل بعودة «الإخوان» إلى صيغة ما قبل عزل مرسي، بإصدار حكم نهائي بحظر حزب «الحرية والعدالة». لا يرى «الإخوان» المشغولون بالحفاظ على تنظيمهم، أو ما تبقى منه، مصلحة في عقد مصالحة بشروط النظام قد تفتح الباب للحساب على تجربة حكمها الفاشلة، ناهيك عن مدى قدرة قيادة الجماعة على ضبط قواعدها بعد شهور من التصعيد المفتوح، وأثر استقواء الجماعة بحلفائها الإقليميين على تشديد مواقفها. على الجانب الآخر، لا يستطيع النظام الجديد الذي بنى جانباً كبيراً من شرعيته على «إنقاذ مصر» من «الإخوان»، أن يبرر لجمهوره مصالحة مع الجماعة تضرب أساس شرعيته الهشة بانتظار شرعية الإنجاز. كما أن لدى النظام مشروعاً بدت ملامح منه لتقديم نسخة الدولة من الإسلام السياسي يصعب أن يحتمل منافساً مثل «الإخوان». ويبدو ما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطاب افتتاح مشروع توسعة قناة السويس، سقفاً لصيغة تعايش مع «الإخوان» لا تتجاوز القبول بوجودهم على هامش النظام، مقابل تهدئة وبلا تنازلات كبرى. في هذا السياق، يبدو سعي الحكم إلى استقطاب مكونات في التحالف، محاولة لتحييد قطاع أكبر من مؤيدي الإسلام السياسي وتحركاً لعزل «الإخوان» وقصر ارتباطاتهم على حلفائهم العضويين كحزب «الوسط» وكيانات صغيرة. ولا يشكل هذا الانفتاح الجزئي تهديداً لمشروع النظام الذي يراهن على أن من سينجح في استقطابهم من صفوف التحالف لن يحصلوا على حصة مؤثرة في البرلمان، مستنداً إلى مزيج من هندسة القوانين الانتخابية وتراجع شعبية التيار الإسلامي عموماً خارج قواعده التنظيمية. وقد يكون تأخر إصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية مرتبطاً بهذا الرهان. أضف إلى ذلك أن «الجماعة الإسلامية» لم تحصل في أوج الانفتاح السياسي الذي أعقب الثورة سوى على 13 مقعداً فقط. كما أن حزب «الوطن» لم يخض استحقاقاً انتخابياً واحداً منذ ولد انشقاقاً من رحم حزب «النور» الذي سيتنافس معه على قاعدة شعبية غير محددة المعالم ولا يجمعها التزام تنظيمي. بكلمات أخرى، لا تبدو اتصالات النظام مع أطراف في التحالف توطئة لمصالحة شاملة لم تنضج ظروفها، بقدر ما هي محاولة لتحقيق هدفين بضربة واحدة: عزل «الإخوان» بإكمال تفكيك التحالف الإسلامي القائم منذ أن عقدت «الجبهة الشرعية للحقوق والإصلاح» اجتماعها الأول خلال الثورة، وتسجيل مشاركة رمزية للإسلاميين في العملية السياسية تسمح بذر الرماد في عيون المطالبات الدولية بإدماجهم. للتواصل مع الكاتب: تويتر: @mohamedhani اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة