المشهد فى «عزبة الهجانة» التى تخترق أبراج الضغط العالى فيها عشش الأهالى، يبدو متسقا مع المكان. السكان اعتبروا البرج جزءا من سكنهم فعلقوا فوقه الأحبال لنشر الملابس، واستغل آخرون المساحة الخالية تحته لركن السيارات المتهالكة، ليتحول إلى مخزن خردة، فى غياب كامل لأعمال الصيانة. الزيارات النادرة، حسب شهادات السكان، تنحصر فى الاطمئنان على سلامة توصيل أسلاكه، غير مبالين بسلامة الهيكل الذى يحمل تلك الأسلاك. أمام عشتها التى لا يتجاوز ارتفاعها مترين ويعلوها سقف مغطى بحصائر البوص، تقف رشا عباس، ربة منزل، تنتقد ما وصفته بسلبية موظفى شركة الكهرباء فى التواصل مع سكان المنطقة، عندما يبادرون بتقديم أى شكوى لهم تتعلق على سبيل المثال بسرقة «صواميل البرج» الحديد التى تربط أجزاءه، أو الشكوى من شدة التيار التى تؤثر على حياتهم، حيث يتلخص ردهم على الأهالى -حسبما تروى- بقولهم: «وأنتوا إيه اللى مقعدكم هنا». رغم مرور 25 عاما على سكنها أسفل أسلاك الضغط العالى، لا تستطيع رشا أن تمحو من ذاكرتها مشهد انهيار القبة المعدنية التى كانت تعلو البرج، فجأة ودون سابق إنذار: «من ستر ربنا ما كانش فى حد ماشى تحت البرج ولا عيل بيلعب تحته». أسفل عبارة «خطر الموت» المكتوبة فوق لوحة معدنية معلقة فوق البرج، أمسك حسن محمود أحد سكان المنطقة شاكوش وقطعة خشب بالية لإصلاحها وتحويلها إلى أريكة، تمكنه وأسرته من الاستراحة فوقها داخل عشتهم. لا يعرف حسن المعنى الحقيقى لمعنى العبارة التحذيرية، لكنه شاهد جزءا من معناها فى حالات الأطفال المصابين بالصرع أو الكبار الذين لا يفارقهم الصداع المزمن، يقول إن ذلك بسبب أسلاك الضغط العالى. «ناشدنا الشركة أكثر من مرة لإزالة البرج، إلا أنها أكدت استحالة ذلك لأنه برج رئيسى وليس فرعيا». رغم استعانة فريال السيد أحد السكان ببطانية صوف تكسو بها باب حمام غرفتها إلا أنها لا تستطيع ملامسة تلك البطانية فى موسم المطر، حيث ترتفع فيها نسبة التيار الذى يصعق كل من يقترب منها. تقول: «ساعات بيجى علينا وقت بنخاف ندخل دورة المياه، وساعات تانية من صوت الشرر فى السلك بنجرى فى الشارع باللى علينا، الناس بتخرج على غفلة مش بتدور غير على عيالها».