توقفت كثيرا عن الكتابة، حتى إن أحد الزملاء الظرفاء قال مرة إن عدد حالات التوقف كانت أكثر من عدد المقالات التي كتبتها! وكنت قد جهزت إجابة مختصرة أرد بها على كل من يسألني: لماذا لا تكتب؟، فأقول في خليط من الجد والهزل: حتى لا يسأل الناس: لماذا يكتب؟ وفرضت علي الفوارض أن أكتب بغزارة وانتظام، لكن أحدا لم يسأل، أنا الذي سألت نفسي، وظل السؤال يشغلني، وتوسع فلم يعد يشملني وحدي، بل صار سؤالا للجميع، ثم تطور من: "لماذا نكتب؟" إلى "لمن نكتب؟". وعندما قرأت مقال "هيستيريا" للكاتب الرائع عزالدين شكري فشير، التمعت عيناي على طريقة فيثاغورث، وقلت في سري: قالها. أنا أحب فشير، وآراء فشير، وسلاسة فشير، لكنه مثل كثيرين ممن أحبهم لم أقابله أبدا، ولا أعرف عنه إلا ما يكتبه، وقد أغناني هذا الكاتب الصادق عن كتابة ما أتحرج من تكراره في هذه الظروف، طبعا لن أعيد عليكم ما قال، وهنا تأتي أهمية "الوصلة"، (ليس المطبوعة التي صودرت مؤخرا تطبيقا لدستور الثورتين راعي الحريات)، ولكن أقصد "اللينك" الذي يوصلك إلى المقال، ويوفر علينا عبء التكرار الذي نعيشه منذ قرون: http://www.almasryalyoum.com/news/details/464134 وكنت قد أشرت في مقال سابق (أنا متضائق إني بقيت أكرر الجملة دي كتير)، كنت قد أشرت إلى مشكلة القراءة المتعسفة لمقالات الرأي، ومصيبة التعليق عليها بما يسىء للمقال، وللكاتب، وللعقل الإنساني نفسه، حتى إن دراسة أمريكية رصينة نشرت نتائجها "نيويورك تايمز" تحت عنوان "مقالك تافه"، طالبت بحجب تعليقات القراء، لأنها تحولت إلى شتائم وتراشق سطحي يسىء لفكرة النقاش وتبادل الرأي التي تحدث عنها فشير في مقاله، وبالمرة هذا هو لينك المقال: http://www.almasryalyoum.com/news/details/434272 المؤسف أن المهزلة لم تتوقف على تعليقات القراء، لكنها أصبحت السمة العامة لمقالات الكثير من الكتاب، الذين سحلوا الرأي، وجعلوه مجرد تعليق انطباعي على الخبر، وبالتالي أصبح من السهل أن تتوقع "هوجة" مقالات الغد من متابعة عناوين الأخبار: موسم حلاوة روح، مولد التحرش، أسبوع داعش، حساب عبدالله كمال، حديث العجلة وماراثون الرئيس، وقد انتقدت هرولة نخبتنا من الكتاب والخبراء للتهليل والتكبير في عيد العجلة الأول، عندما كانت "عجلة مرشح"، ولم نعرف حينها: هل كانت صدفة؟، أم خطة للإعلان عن التقشف، أم دعوة للرياضة، وإليكم اللينك للمرة الثالثة: http://www.almasryalyoum.com/news/details/421826 لكن الصدفة التي طلبنا أن تكون علنية، تكررت سرا، وارتفع التهليل والتمجيد في الظهور الثاني لأن العجلة صارت "عجلة رئيس"؟! الأمر كله أصبح سخيفا، وفي مقدمته هذا الكلام السمج الذي أكتبه، لأنه يأخذنا بعيدا عن اللغة السياسية والإعلامية التي نرنو إليها، ويضع كتابتنا موضع الشبهات، لأنها تقف حائرة بين نقد الأشخاص، ونقد السياسات، وهذا الخلط لايستفيد منه إلا كورس "إديلو وعبيلو"، لكنني هذه المرة لن أتوقف، ولن أعود إلى البيت كما عاد قبل أسابيع المبدع محمد المخزنجي، ربما لأن لديه بيتا يعود إليه (الأدب)، أما أنا فليس لدي بيت سوى الصحافة، (ومفيش ورايا شغلانة غيركم).. قد أتساءل مثل فشير عن فضيلة الصمت وسط هذه الهستيريا، لكنني مثله أيضا لن أياس، ولن أنسحب، فقط أبحث للإجابة عن سؤالي، وسؤاله، وسؤال علي قنديل المعذب: أغني لمن؟ والأماني قاحلة والكلام مُعاد وما عاد سرٌ خبيئاً وماعادت آلهة تستجيب لقيثارتي. فطوبي لمن عذبته الحروف" ملاحظة: قريبا جدا، أحكي لكم عن علي قنديل، وموت الشعر تحت عجلات سيارة عسكرية، فانتظروني بعد تشكيل الحكومة. [email protected]