برلماني: الحوار الوطني يدعم مؤسسات الدولة في مواجهة التحديات    بتكلفة 27 مليون جنيه.. افتتاح محطة رفع صرف صحي نزلة العزازي بالشرقية    الجيش اللبناني يعلن مقتل أحد جنوده وجرح آخر إثر غارة إسرائيلية في جنوب البلاد    مستشار بحملة هاريس يجتمع بقيادات للمسلمين لاحتواء الغضب من دعم إسرائيل    فيفا يرفض رفع القيد عن الإسماعيلي    عاشور: فوز الجامعة الأمريكية يعكس نجاح الرياضة الجامعية في مصر    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    عاجل| تراجع الطلب يدفع لانكماش نشاط شركات القطاع الخاص في مصر    «في مجال الهيدروجين».. تعاون بين مصر وحكومة بافاريا الألمانية    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي بدمياط    محافظ القليوبية يقود مسيرة نيلية احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر    محافظ كفر الشيخ يتابع سير العمل بالمركز التكنولوجي ومنظومة التصالح بالرياض    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    أزمة المحاضرة.. قرار مهم ضد أستاذ الحقوق بجامعة المنوفية    سفير مصر بالدوحة يلتقى مع وزير الدولة للشئون الخارجية    روسيا: 3 قتلى وعشرات الجرحى جراء هجوم أوكراني على بيلجورود    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    ضاحي خلفان يثير جدلًا بتعليقه على اغتيال حسن نصرالله.. هل شمت بمقتله؟    الأهلي يواجه برشلونة بحثًا عن برونزية مونديال اليد    جون دوران بعد هدفه أمام بايرن: سجلت في شباك أحد فرق أحلامي    تهرب جمركي ومخدرات أبرزها.. ضبط 52 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    للخريف سحر لا يقاوم.. 15 صورة من شواطئ عروس البحر المتوسط    إصابة عاطلين في معركة بالأسلحة النارية بالمنيا    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    ضبط 367 عبوة دواء بيطري مُنتهية الصلاحية ومجهولة المصدر بالشرقية    "الكتاب العرب" يدعو إلى اجتماع عاجل لهذا السبب    في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    لطفي لبيب: جربت الشغل فى الصحافة سنة ونصف ولقيتها شاقة واعتذرت    تعرف على موعد حفل وائل جسار بدار الأوبرا    محافظ المنيا يعلن موعد افتتاح مستشفيات حميات وصدر ملوي    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    صلاح الأسطورة وليلة سوداء على الريال أبرز عناوين الصحف العالمية    توقعات برج القوس اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024: الحصول على هدية من الحبيب    «وسائل إعلام إسرائيلية»: إطلاق 10 صواريخ على الأقل من جنوبي لبنان    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    مفاجآت اللحظات الأخيرة في صفقات الزمالك قبل نهاية الميركاتو الصيفي.. 4 قيادات تحسم ملف التدعيمات    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    التابعي: الزمالك سيهزم بيراميدز.. ومهمة الأهلي صعبة ضد سيراميكا    باحث سياسي: حرب إسرائيل بلبنان تستعيد نموذج قطاع غزة.. فيديو    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    نجاح عملية استئصال لوزتين لطفلة تعانى من حالة "قلب مفتوح" وضمور بالمخ بسوهاج    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدب المقاومة الفلسطيني ومكانة الأرض في الأدب
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 05 - 2014

علاقة جدلية تلك التي تربط الأدب الفلسطيني بالأرض, ارتباطا روحيا بين الإنسان الفلسطينى وأرضه المجبولة بعرق الكادحين والفلاحين ودمائهم ودموعهم, الأرض التي هى رمز بقائهم.. هي الهوية والانتماء, هي الوجود والصمود, تشكل أحد الملامح والصور الرائعة شديدة الحضور في دفتر الأدب شعرا وروايات, ويكفي أنها جسدت وعكست وحدة وتلاحم الشعب الفلسطيني المتيم بحبها بأروع وأبهى صوره في يوم الأرض الخالد عام 1976, عندما انتفضت هذه الجماهير مع قواها النضالية ضد غول الاحتلال وسياسته القائمة على النهب والمصادرة لكل ما هو فلسطيني ليقتلعه من تاريخه وتراثه وجذوره, فسقط الشهداء والجرحى في عرابة وسخنين والطيبة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية في مناطق الجليل التي احتلت عام 1948.
عالج الكتاب والأدباء والشعراء في الداخل الفلسطيني قضية الأرض في نصوصهم الأدبية الشعرية والنثرية, وعبروا بصدق عن الشعور والإحساس الوطني, وحذروا من السماسرة ونبهوا إلى المشاريع والمخططات المرسومة التي تستهدف مصادرة أراضيهم, فصاغوا روائع القصص والحكايات التي تتحدث عن ارتباط الفلسطيني بأرضه, ونثروا الأشعار التي تخترق الأفئدة مغموسة بقصص وقصائد الحب والعشق والمقاومة الداعية إلى التمسك والانغراس في الأرض والدفاع عنها والتصدي لعملية المصادرة والتجريف من روح الهوية وعبق التاريخ واغتصاب الأرض والجنسية باسم القانون.
** أدب المقاومة الفلسطيني:
إنه الأدب الذي يصور الواقع الفلسطيني, ولم يجد خيارا أمامه سوى المقاومة للتصدي للمؤامرات التي تحاك ضده والممارسات التي تثقل عليه, وتسلبه كل حقوقه الشرعية والإنسانية والوطنية, هو ملح الأرض وثراؤها تعددت ألوانه وتشعبت خطوطه في سرد قصص أسطورية من المقاومة والصمود, وعلى الرغم من تقصير حركة النقد الأدبى فى متابعة روافده ورصد تياراته وتطوراته, بل حصرته على مدى سنوات طوال بأسماء محددة ولم تلتفت لبقية الروافد والتيارات المغذية والملونة لهذا الأدب وأفقه العريض, فلو طرح السؤال: من هم شعراء المقاومة الفلسطينية لجاءت الإجابة على الفور: إبراهيم طوقان, محمود درويش, سميح القاسم, توفيق زياد, راشد حسين).
ورغم أنه لا أحد ينكر عليهم هذا الحق, فهي أسماء عمالقة في الأدب الفلسطيني, غير أنه من الظلم إغفال أسماء أخرى لا نتوقف عندها أو نلتفت إليها, وهي أسماء كبيرة لها بصمتها في مسيرة هذا الأدب منهم من عاصر هؤلاء وزاملهم ومنهم من لحق بهم ليكمل الطريق.
فحين نتحدث عن الأدب الفلسطيني نعني أن نبحث في قسمين: أدب الشتات, وأدب الأرض المحتلة عام 1948 وعام 1967, إذ لم يستطع الإنتاج الأدبي الفلسطيني قبل هذه الأعوام أن يترك أثرا كبيرا على الساحة الثقافية العربية, وإن ظلت هناك محاولات لافتة على ندرتها.
وما يميز الأدب الفلسطيني المقاوم أنه تمحور حول القضية الوطنية الأساسية, وهي حماية الأرض والحفاظ عليها والبقاء في الوطن, ويصور فلسطين في جمالها الزاهي المتجلي في فصل الربيع, وذكر أسماء الأزهار والنباتات والأشجار التي تنمو وتنبت في روابيه مثل الزيتون رمز فلسطين والسنديان والبرتقال والعنبر والبلوط والزعتر والزعيتمان والعكوب والشومر والهيليون والخردلة والخبيزة والعلت والقمح والشعير والعدس والسمسم وغيرها, وأيضا ذكر الجبال والوديان والهضاب والتلال والمروج والسهول كمرج بن عامر والكرمل, والتذكير بالقرى العربية الفلسطينية المهجرة على امتداد الوطن والساحل الفلسطيني.
وما حدث في نكبة عام 48 من احتلال وهجرة قسم الشعب إلى اثنين أيضا بكل ما يحمله هذا الانقسام من ظروف وتجارب وتصادم مع الحياة, وتباينها بالقضية الفلسطينية, لكنها تصب كلها في مأساة شعب اقتلع من دياره أو بقي فيها محتلا, وشكل هذا بؤرة ومحور الأدب الفلسطيني نثرا وشعرا.
ولعل السمة الأبرز في الأدب الفلسطيني هي تلك الاختلافات الواضحة من حيث علاقته بالزمان والمكان ولهجة الخطاب والاتجاهات, وانشغاله الخاص بالقضية السياسية السائدة, وظهور الشخصية اليهودية فيه أو اختفاؤها, وتميز بعض هذا الأدب ببعده عن البكائيات إلى موضوعات إنسانية واسعة رغم حجم المأساة الفلسطينية واستمرارها.
اللافت أيضا خلو مجمل الأدب الفلسطينى من التعامل مع الشخصية اليهودية أو تصويرها, مع أنها الخصم الحقيقى الذى أوصله إلى ما هو عليه من البؤس والمعاناة والتشرد, وربما يكون ذلك نتيجة للسياسات العربية التي حرمت التعامل مع الإسرائيليين واعتبرت ذلك خيانة وطنية, وظلت صورة اليهودي الحاضرة الغائبة, فهو العدو الذي لم يواجهه الأديب أبدا, وإن تسبب في نكبته وضياع أرضه, وحتى عام 1967 حين رآه لأول مرة ممثلا لما تبقى من فلسطين ظهرت صورته بعد هذا العام كمحتل, لذا لا نجد عنصرية أو ازدراء لليهود بل على النقيض هم الكتلة المخيفة التي جاءت مشردة من العالم لتحتل فلسطين وتتسبب في محنته, وهو أقسى ما يتهم به اليهود في هذا الأدب حتى عندما كتب غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" التي يحكى فيها عن عودة اللاجئين إلى بيوتهم السليبة, بعد أن سمحت إسرائيل لمن يريد بزيارة مناطقها, فالتقى خلدون وصفية مع ميريام اليهودية التي سكنت بيتهما وربت أخاه, فدخل الجيش الإسرائيلي مجندا, صورها إنسانة تكره ظلم قومها للعرب, وبعكس ما نجده في الرواية الإسرائيلية التي صورت العرب جهلة مخادعين بدوا رحلا بلا حضارة, أو من باعة البطيخ لافتقارهم للعلم كما عند "يائيل دايان" أو "ليون أوريس" وغيرهما.
إن خير من يمثل الأدب الفلسطيني بعد جيل الرواد هو غسان كنفاني, الذي بدأ ظهوره اللامع بداية الستينيات حين نشر مجموعته الأولى "سرير رقم 12" وتشمل 17 قصة عام 1961, ثم "أرض البرتقال الحزين" عام 1963, وهو عام نشر روايته الأولى "رجال في الشمس" التي كرست رواية فلسطينية متقدمة فنيا ولفتت أنظار النقاد إلى قدرة كنفاني المتفوقة في مجال الرواية, واحتفى بها المشهد العربي وتحولت إلى فيلم سينمائي.
والرواية التي صورت المأساة الفلسطينية تقطر شعورا بالذنب عند المثقف الفلسطيني, لعدم استشرافه لضياع وطنه وتشرده حتى وقعت النكبة, وقد أنهى غسان روايته بتلك الصرخة المدوية "لماذا لم تدقوا الخزان؟".
إنها قصة الفلسطيني المخنوق بظروفه وعدم بصيرته ومواجهة الخطر والسكوت عنه, فقد بقي صامتا في الخزان لم يدقه ولم يهرب منه ولم يجتز الحدود.
ولم يقتصر نقد الذات على غسان كنفاني, بل برز واضحا عند كثيرين مثل رواية جبرا "البحث عن وليد مسعود" عام 1970 و"عالم بلا خرائط" بالاشتراك مع الأديب السعودى عبدالرحمن منيف.
إن غسان كنفاني هو ابن النكبة؛ ولهذا صور الشتات الفلسطيني والخيام وضياع الأحلام والتشرد بحثا عن فرص الرزق في دول الخليج, وهو ما يميزه عن الأدباء الذين بقوا في أرضهم من عرب إسرائيل مثل "إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم", أو فيما عرف بالمملكة الأردنية وحتى الاحتلال في عام الحسم 1967 مثل "كمال ناصر فى الشعر, ويحيى يخلف ومحمود شقير وغيرهم"، وإن ظلت القضية الأساسية المحور الوحيد لكل الإنتاج الفلسطيني بل بعض العرب.
هيمن أيضا الشعر على الساحة الثقافية الفلسطينية نظرا لمباشرة تأثيره وحماسته, لأننا أمة تعشق الشعر منذ القدم, وقد شكل دائما الجزء الأبرز في تاريخها, ولوصول أصوات جديدة متميزة في طرحها ومقاومتها وانتمائها الفلسطيني العربي من داخل الأرض المحتلة, أنارت ظلمة انكسار الشعراء والأدباء الذين أحسوا بتأنيب النفس ولوم المثقف, والتي تشكل ظاهرة واضحة في الرواية والقضية الفلسطينية تحديدا.
كما بدأت الرواية الفلسطينية زحفها لتحتل مكانة رفيعة في الأدب الفلسطيني كما العرب منذ بداية الستينيات حتى باتت النوع الأدبي الأبرز مع نهاية القرن العشرين.
وتؤكد سلمى الخضراء الجيوسي، الناقدة الأدبية، أن أزمة الأدب الفلسطيني تكمن في "أنه سواء كان من الفلسطينيين في إسرائيل أم في الضفة الغربية وغزة أو في الشتات, فإنهم ملزمون بحكم هويتهم الفلسطينية ذاتها بأن يعيشوا حياة تتحكم فيها ظروف وأحداث نابعة من رفضهم للأسر وضياع الوطن, مثلما تتحكم فيها نوايا الآخرين وشكوكهم ومخاوفهم, فالكاتب الذي يفكر في التوجه توجها منفصلا عن السياسة, ككاتب يتنكر للواقع والتجربة والانغماس في الحياة اليومية العادية ومعناه خيانة حياة الفرد ذاته وخيانة شعبه.
** مكانة الأدب الفلسطينى المقاوم فى الأفق الأدبي العام:
علينا الاعتراف بمكانة الأدب الفلسطيني المقاوم في الإبداع العربي العام, كما علينا أن نعترف بأن هناك أسماء تعملقت على مدى مسيرة هذا الأدب الراقي العظيم.
ربما صب معظم الاهتمام على الشعر دون سواه, فلم تنل القضية الفلسطينية والرواية المسرحية التي تربع على عرشها غسان كنفاني من الاهتمام والدراسة.
ما ناله الشعر ليبقى في الظل أسماء راقية لها إسهامات أمثال توفيق فياض وسميرة عزام ومحمود شقير وهارون هاشم رشيد شاعرا وكاتبا مسرحيا راقيا.
فالكاتب الفلسطينى شاعرا كان أو روائيا أو قاصا يعيش الآن مرحلة مفصلية فى تقويم إبداعه وامتلاكه لأدواته, بعد أن ظل النقد العربي على مدى عقود يربط الكتابة بالقضية الفلسطينية السياسية, ويعتبرها جواز سفر، متسامحا مع كثير من النصوص الشعرية والروائية فمرر كثيرا منها إلى ساحة الأدب, كما كرس أسماء ما كانت لتحظى بنجوميتها تلك لو لم ترتبط بالقضية السياسية الفلسطينية.
لقد استطاعت الرواية الفلسطينية أن تترك بصمة واضحة في الأدب الفلسطيني خاصة والعرب عامة, بل ترجم كثير من الإنتاج الأدبي للمرأة الفلسطينية إلى اللغات العالمية، ولقي صدى مميزا, لكن الظروف السياسية الراهنة وما تحمله من عدم الاستقرار وصعوبة التواصل مع الخارج أبعد بعض الأصوات الأدبية النسائية الجديدة عما تستحقه من الاهتمام, لتنوع تجربتها وامتلاكها أدواتها الإبداعية في حقول القصة والرواية والشعر, مثل حزامة حبايب, حنان عواد, نبيلة العسلي، ديمة السمان, رفيقة الحسيني, فيحاء جاد الله, رشدة المصري, وداد البرغوثي, تودد عبدالهادي, نداء خورى وغيرهن.
وقد جاء الأدب الذي تكتبه النساء الفلسطينيات شديد الواقعية وعميق الرؤية ومواكبا للتطورات السياسية خارج الأرض المحتلة, وجاءت تجارب هؤلاء الكاتبات ناضجة الوعي سياسيا واجتماعيا وإبداعيا, مع تميز كل منها بالظروف الخاصة والعامة التي حددت إطار التجارب والتصادم مع الحياة, بعضها ارتبط بالمقاومة ومن داخلها ومعايشة رجالها كتجربة ليانا بدر, وسلوى البنا, ومي الصايغ التي كتبت رواية عن تجربة شعرية طويلة, وبعضها مرتبط بالظروف المعيشية الفلسطينية في الداخل كروايات سحر خليفة أو روايات الحرب ضمن سياقها الاجتماعي والتاريخي للفلسطينيين وارتباطهم بالمد القومى كروايات ليلى الأطرش.
محطات في المشوار الأدبي الفلسطيني المقاوم
** أدب المقاومة يلبس ثيابا أخرى ليعيد إنتاج الحياة الفلسطينية شعرا ونثرا وأغاني
هل اختفى أدب المقاومة بعد أن صار ملعونا وساءت سمعته, أم أنه لبس ثيابا أخرى وخرج متنكرا ليعيد إنتاج الحياة الفلسطينية شعرا ونثرا وأغاني؟ الواقع الفلسطينى يؤكد أن أدب المقاومة لم يمت وإنما أبطاله تبدلوا وأصحابه تغيروا, فالأجيال الجديدة رغم ما يعانيه أدب المقاومة من اضطهاد لا تزال تكتب وتقاتل في آن معا حين يستدعي الأمر, وبمقدورنا رصد كتاب هذا الأدب الجديد والصاعد اليوم في الأراضي الفلسطينية من داخل الزنازين وفي خيام المشردين وبين الأدباء المهمشين.
بالنسبة للأدباء والفنانين الفلسطينيين فإن التفافهم لواقع شعبهم التراجيدي قد يوسع المدارك الإبداعية لآفاق لم يجرؤ أحد على الحلم بها, ويقدم خيارات لمغامرات غير مسبوقة في الأدب الفلسطيني مثل الأدب البوليسي أو قصص الحب في زمن الحرب والعلاقة بين الشرق والغرب.
لكن وجود مبررات للأدباء الفلسطينيين بالنأي بعيدا عن أدب المقاومة لم ينف حاجة الواقع المتفجر دائما في الأراضى الفلسطينية, إلى أدب يحاكي هموم شعبها الذي يكاد يكون حكاية كل فرد منه تصلح لعمل فني أو أدبي.
لقد مر الأدب الفلسطيني المقاوم بثلاث مراحل أو أجيال كان لها كبير الأثر في تكوينه وتصويره وإثرائه:
** الجيل الأول جيل الريادة:
فمنذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917 الذي جاء كاشفا للغاية الأساسية للاستعمار البريطاني لفلسطين, ومن هنا شكل الاستعمار الغاشم الحلقة الأولى في نكبة الشعب الفلسطيني, وسلب بلاده وتشريده ومحاولة طمس حضارته. هذا الاستعمار أذاق الشعب الفلسطيني أصناف الذل والهوان ممارسا كل وسائل التضييق والخنق والقتل لكل الجوانب الإنسانية والحضارية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية تمهيدا لزرع الكيان الصهيوني.
ومن هنا لا عجب أن نجد قصائد ومن مطلع القرن العشرين تأخذ منحى المقاومة الفلسطينية لتنشر أول بذرة في هذا الجيل, وكان الأديب الفلسطيني محمد إسعاف النشاشيبي شرارة البدء في أول شعر فلسطيني يحمل روح المقاومة, فقد شكل الاستعمار وعي المثقف الفلسطيني بممارساته الدنيئة, فكان الرفض رد فعل طبيعيا للمثقفين الفلسطينيين, ليكون الرفض هو عنوان أدب المقاومة في هذه الحقبة, وليكن الهدف الأساسي لهذا الأدب (الشعر تحديدا) تبيان أهداف الإنجليز وكشف مخططاتهم وبث الوعي واستنهاض الهمم لمواجهتها والتصدي لها, وكان من أبرز
أعلام هذه الحقبة إبراهيم طوقان, وعبدالكريم الكرمي (أبو سلمى) اللذان تفتح وعيهما ونضج حسهما الوطني والأدبي على ثورة القسام عام 1936, وما سبقها من تداعيات تمثلت بجرائم الاحتلال البريطاني البغيض ضد الشعب الفلسطيني الأعزل, والتي كان من أشد وأقسى أحداثها ثورة البراق (1929).
ثانيا جيل النكبة:
النكبة وضياع فلسطين والنزوح هي الجرح المفتوح حتى الآن في بكاء وطن سليب ينتظر حلم العودة, تجاوز الألم والمرحلة والاستعداد لما هو آت, تلك هي حدود ومعالم النكبة في الشعر الفلسطيني شعر المقاومة الذي انقلب إلى شعر حر يصور الجراح ويشرح الألم ويبث الشكوى, ولو أردنا تعريف شعر هذه الحقبة فسنجده شعر الفاجعة الذي أسهب في تصوير فاجعة النكبة والرحيل والنزوح والخراب, وتخلي العالم عن أهل فلسطين الحقيقيين من العرب.
** أما الجيل الثالث: فهذا الجيل ورث مسيرة المقاومة ووعى الصوت وطوره وتطور من خلاله, خاصة أهل الداخل الذين بقوا في أرضهم في الجليل والساحل والمثلث والنقب, يقفون وجها لوجه أمام جبروت المحتل وقمعه وممارساته ليقولوا كلمة الحق في وجه السلطان الجائر المستبد, وليرفعوا كلمة الشعب المقاوم وحقه في العيش ومقاومة الظلم والتشريد وسلب حقوقه, وشعارهم البقاء وعدالة قضيتهم هنا باقون صامدون فوق صخور البلاد عند قبور أجدادنا, باقون رغم أنوفكم نشهد على ظلمكم وجبروتكم, نحن أهل الحق وأنتم أهل الباطل، ومن أبرز أصوات هذه المرحلة: توفيق زياد, محمود درويش, راشد حسين, سميح القاسم, فهد أبوخضرة, جمال قعوان, أدمون شحادة, حنا أبوحنا وغيرهم ممن عملوا كالمرصد, يتابعون كل خطوة ويواجهون كل خطة ويوثقون كل حركة مؤرخين لنهضة الوعي في انتفاضة الشعب الأصيل المقاوم في الجليل والمثلث النقب والضفة الغربية وغزة, وكل ذرة من تراب الوطن تملأ الأرض نشيدا يعلن للعالم أجمع: أنا الشعب الفلسطينى أحمل تراثي حقي في قلبي أطبعه على جلدي, كما هتف محمود درويش:
في البال أغنية
يا أخت
عن بلدي
نامي لأكتبها ..
رأيت جسمك
محمولا على الزرد
وكان يرشح ألوانا
فقلت لهم:
جسمى هناك
فسدوا ساحة البلد
******
في البال أغنية يا أختي
عن بلدي
نامي لأحفرها وشما
على جسدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.