يوما بعد يوم يتأكد اليقين في شغف حمدين صباحي المستميت أن يصبح رئيسا للبلاد، حتى لو كان ذلك على جثة المشير عبدالفتاح السيسي, الذي لولاه لما حلم حمدين مجرد حلم بمقعد الرئاسة مرة أخرى بعد انتخابات 2012 التي حصد فيها ما يقارب من أربعة ملايين صوت ليس اقتناعا وتأييدا له, ولكن تعبيرا عن الرفض لمرشح الإخوان محمد مرسي ومرشح نظام مبارك الفريق أحمد شفيق. حينها كانت خسارة حمدين مشرفة بدعم الكثيرين الذين توسموا فيه روح الثورة وشبابها, وطالما تقمص هذا الدور وأجاده, رغم أنه كان للكثيرين من أقرانه في الحزب الناصري وحركة كفاية رأي آخر إذ كانت قناعتهم المطلقة بأن حمدين ليس رجل المرحلة, وكان الأمل معقودا على الدكتور محمد البرادعي الأقدر على تحمل عبء المسؤولية الثقيلة لما يتمتع به من خبرات سياسية واسعة في ذلك الوقت وقبل أن ينكشف المستور وتظهر حقيقة البرادعي التي خدعت الجميع. وبعد فوز مرشح الإخوان محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية مر حمدين بفترة كمون لم تخل من مضايقات, إذ تعرضت ابنته سلمى للتنكيل والحبس في قضية نصب على الإنترنت وآثر حينها الصمت, كما منع من إجراء مقابلة في قناة سي بي سي مع خيري رمضان في برنامج «ممكن». كل هذه المضايقات التي تعرض لها حمدين كانت بإيعاز من سلطة الحكم أيام الإخوان؛ الأمر الذي يفهم منه أنه لم يكن مرغوبا فيه من قبلهم. وبعد 30 يونيو وسقوط حكم الإخوان عاد صباحي من جديد للمشهد السياسي بقوة وهذه المرة عيناه مصوبتان بثبات تجاه مقعد الرئاسة, ومنذ إعلانه عن نيته للترشح للرئاسة بشكل فاجأ الجميع بمن فيهم أنصاره, وهو لا يتوانى عن شن الهجوم الشديد بالتصريح حينا والتلميح أحيانا ضد منافسه المشير عبدالفتاح السيسي- الذي بدوره لم يبادله الهجوم بتصريح واحد- بدءا بتواطؤ الحكومة ودعمها للسيسي بما يخالف القانون, مرورا بافتعال الأزمات مع حملة السيسي والتشهير بها والادعاء عليها في أقسام الشرطة, انتهاء بما قاله أخيرا في أحد لقاءاته بالشباب الثوري بأنه سيحاكم السيسي حال فوزه بالرئاسة, وهو ما فسر بأنه تحالف ضمني مع الإخوان الذين يغازلهم منذ فترة, خاصة بعد أن تيقن أن أصوات الأقباط ستذهب للسيسي ولن تكون له مهما فعل, فحينما ذهب ليهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد تعالت الهتافات المؤيدة للسيسي رئيسا, وحينما ذكر اسم السيسي في الاحتفال ودوى التصفيق بشدة في القاعة, كان لافتا أنه لم يتفاعل مع الحدث حتى من باب المجاملة البحتة وحفظ ماء الوجه. كل ذلك قد نجد له المبرر والحجة؛ فالمرشح السيسي بمثابة خصم قوي لا يستهان بقدراته, لكن من غير المفهوم أو المبرر تصريحاته الأخيرة بمحاكمة السيسي لمجرد استرضاء الشباب والعبث بعقولهم لامتصاص غضبهم بالتضليل والخداع, فقد لاقت تصريحاته ردود أفعال ساخطة بشدة, لأنه يلعب على وتر حساس لبعض الشباب الثوري لاستمالتهم وكسب أصواتهم في الانتخابات الرئاسية, وهذه خطيئة انتخابية أخرى, فإذا كان يجب محاسبة بعض الشخصيات على ما اقترفوه من أعمال وتوجهات بعد 25 يناير, فسيكون حمدين نفسه أول من يحاسب على انحيازه لجماعة الإخوان فيما بعد الثورة والترويج لهم في الانتخابات البرلمانية, رغم أنه غير مستحب من قبلهم وطالما حاربوه ورفضوا وجوده, فكيف يراهن حمدين على أصواتهم الانتخابية ويبيع نفسه للشيطان؟ وكيف سيفي بوعوده للشباب الذين يعزف على أوجاعهم ومشاعرهم الحماسية الملتهبة البعيدة عن لغة العقل صباح مساء؟ وبأي تهم سيحاكم السيسي الذي أضاء له الطريق مرة أخرى نحو حلم كرسي الرئاسة؟ هل سيحاكمه بتهمة أنه أتاح له الفرصة من جديد للدخول في ماراثون الانتخابات الرئاسية التي يتوق شغفا لاعتلاء عرشها؟ أم سيحاكمه بتهمة الانتماء للجيش؟! أم أنه سيعود إلى رشده ويعتبر أن ما حدث في 3 يوليو انقلاب يجب محاسبة من تسببوا فيه؟! وأخيرا هل يستحق كرسي الرئاسة هذا الانتحار السياسي، والتخبط الأيديولوجي والخصم من رصيده الشعبي المتواصل رغم توهمه واقتناعه بعكس ذلك؟