الأهالى يقدسون زواج الأقارب وينكرون مساوئه

بالرغم من علمه بالمشاكل التى يجنيها زواج الأقارب والتى عددها لنا من واقع قبيلته، قرر جمعة أحمد، شاب ثلاثينى واحد من 3 متعلمين فى قبيلة المعازة، أن يتزوج ابنة عمه، فقد تربى معها ولم يعرف غيرها طوال حياته، وقال: تزوجتها عن حب، فقد تربيت معها منذ الصغر، ولم أعرف غيرها وأنا الأولى بها من غيرى. وأضاف جمعة: «أنا زى باقى الشباب فى القرية، تربيت على عادات وتقاليد لا يستطيع أحد أن يغيرها». وتابع: «ما أقدرش أكسر كلام أبويا لما يقولى انت هتتجوز بنت عمك».
جمعة عدد مخاطر زواج الأقارب قائلا: «العديد من أفراد قبيلتنا يعانون من مشاكل زواج الأقارب.. ولا يعترفون بأن زواج الأقارب هو السبب فى إنجاب أطفال معاقين بل يعتبرونه قضاء من الله وقدرا، ومجرد محاولة علاجه حرام».
30% من أطفال القرية يعانون من ضعف أو عدم السمع والكلام ويحتاجون إلى زرع قوقعة فى الأذن حتى يستطيعوا السمع والكلام والتى تصل تكلفتها إلى 120 ألف جنيه.. هكذا تحدث جمعة عن أعداد الأطفال الذين يجنون ثمار عاداتهم وتقاليدهم التى من بينها زواج الأقارب، موضحا ذلك قائلا: «مفيش بيت فى قبيلتنا ما فيهوش واحد على الأقل أطرم».
جمعة ينتظر طفله الأول، الذى سيأتى إلى الحياة خلال أشهر قليلة فى قلق لأنه لا يعرف مصير هذا الطفل، راجيا من الله أن يكون طفلا طبيعيا خاليا من الإعاقات.
حال «راشد على» لا يختلف كثيرا عن حال غالبية بدو الصحراء، فهو ابن لأب وأم (أولاد عم) لا يسمعون ولا يتكلمون، وهو أيضا متزوج من ابنة عمه، وأنجب منها ولدين وابنتين، 3 منهم لا يسمعون ولا يتكلمون والبنت الصغيرة فقط هى التى تسمع وتتكلم. وقال: «أنا مش عارف إيه السبب فى إن خلفتى تطلع بالشكل ده». وأضاف: «فى قبيلتنا ناس كتير زى ولادى كده لا بيسمعوا ولا بيتكلموا.. لكن إحنا ما نعرفش السبب وما روحناش نكشف علشان نعرف إيه السبب لإننا راضيين بقضاء ربنا».
تجلس أرضا بجوار جمل ممسكة بلجامه بيدها وتغطى وجهها بال«يشمك» بينما تظهر عيناها ضاحكتين وتقول مروة حسان: «خالتى اسمها فاطمة محمد متجوزة ومخلفة بس هى لا تسمع ولا تتكلم.. إحنا ما نعرفش هى ليه اتولدت كده بس إحنا راضيين باللى ربنا كاتبه»، واعتبرت أن البحث عن أى سبيل لعلاج خالتها حرام.. لإنه هيكون اعتراض على قضاء ربنا وقدره. وأكدت: «جوازنا من قرايبنا مالوش علاقة بإن أولادنا يطلعوا مش بيسمعوا أو يتكلموا أو يكون عندهم أى عيوب خلقية.. إحنا أصلا بنتجوز من أقاربنا علشان قرايبنا هما اللى هيحافظوا علينا وهيحمونا ويحموا بناتنا وفوق كل ده وده هيزيد عدد قبيلتنا ونبقى كتير».
تعدد الزوجات أمر طبيعى ومسلم به لدى نساء بدو صحراء جبال البحر الأحمر، فتقول حامدة لافى، وهى تحمل ابنها على ظهرها وتغسل وتنشر ملابسها وأسرتها الصغيرة، إن زوجها من نفس قبيلتها ولكنه ليس من أقاربها، وجميع أولادها بصحة جيدة وليس لديهم أى إعاقة، موضحة وهى مبتسمة: «أنا زوجى اتجوز عليا.. اتجوز بنت عمه»، وأضافت: «وأنا مش زعلانة خالص.. هو براحته يعمل اللى هو عايزه وأنا لو منعته يبقى حرام عليا.. هو شايف إن دى راحته يبقى يعمل اللى يريحه». وتابعت: «أنا مش بغير عليه.. طالما إنه موفر لى الحياة الكريمة وهو مبسوط كده يبقى أنا كمان مبسوطة».
لم تمنعها إعاقة زوجها السمعية من أن تقبله عريسا وشريكا لحياتها، فهذه الإعاقة لم تمثل لها شيئا فهى بالنسبة لها قضاء ربنا وقدره، لم تعرف «سلمى لافى»، إحدى سيدات قبيلة المعازة شيئا عن خطورة زواج الأقارب التى من الممكن أن تجعلها تنجب أطفالا مشوهين، وقالت: «عندى 4 بنات الحمد لله كلهم اتولدوا بصحة وعافية وحتى لو كانت واحدة منهم اتولدت مبتسمعش وما بتتكلمش مكنتش هزعل لأنه كان هيبقى قدرها كده».
وأضافت: «إحنا أصلا معندناش وحدة صحية فى كل محطات الجبل ولو واحد مننا تعب لازم يروح يكشف فى الغردقة ودى تبعد عننا بحوالى ساعة ونص بالعربية، يعنى لا عندنا تطعيم أطفال ولا رعاية صحية وعايشينها كده بالبركة». وتابعت: «بناتى أكيد هيتجوزوا أولاد أعمامهم هما أولى بيهم من أى حد تانى، ودى عوايد وتقاليد القبيلة اللى اتربينا عليها».
واتفق معها فى الرأى سويلم عواد حيث قال: «لدينا عشرات الأطفال ليس لديهم شهادات ميلاد»، موضحا: «نحن غير معترف بنا ولا بأولادنا لدى الحكومة.. الحكومة لا توفر لنا حياة كريمة ولا مياه ولا كهربا ولا تعليم ولا صحة ولا علاج ولا أى شىء». وتابع: «نحن نحلم بأن توفر لنا الدولة قافلة طبية تمر علينا من يوم لآخر حتى نتلقى علاج طبى صحيح»، موضحا: «وإحنا على استعداد إننا ننزل نطلعهم الجبل على حسابنا ونرجعهم تانى».