كل مهنة يقوم بها كل فرد، فهي في الأساس صنعة. و الصنعة الجيدة لا تعتمد فقط علي معرفة أدواتها، ولكن في كيفية استخدام تلك الأدوات لحد يصل للاتقان فيما يصنع. والإعلام له أدوات متعددة حتى يصل العاملون به حد الاحتراف. ولكن نرى الآن من يحسبون أنفسهم على الصنعة، وهم في الأصل دخلاء عليها. أنا لا أتحدث عن الإعلام المصري وما يشهده من إخفاقات وخروج عن المهنية في كثير من الأحيان، و لكنني أختص بالحديث عن الإعلام الموجه والمتخصص في الشأن المصري وتغطية أخباره بانحياز سافر عن الحقيقة. فما يحدث الآن على شاشات بعض القنوات الموجهة يقع خارج نطاق الصنعة. فالجزيرة مباشر مصر، لا تكل ولا تمل من فبركة الصور والأخبار ونشر الأكاذيب والإصرار على نقل صور غير حقيقية متهمة مصر بممارسة أقصي أنواع القمع والديكتاتورية عندما تحارب الإرهاب. ولكن العيب كل العيب يقع علي الجانب المصري أيضاً الذي لا يقوم بالمعالجة الهادئة والموضوعية لتلك الاتهامات، فتبدأ البرامج الحوارية بالسب والتوبيخ الانفعالي بطريقة عشوائية لا تصل بالرسالة إلي الجمهور أو تؤثر عليه تأثير فعلي. هذا بالرغم من سهولة كشف أهداف وأجندات دولة مثل قطر أو غيرها ببساطة. فدولة قطر التي تنتقد الأوضاع في مصر، تعاني من كبت سافر للحريات، طبقا لمقررة الأممالمتحدة والتي بعد زيارتها لدوله قطر، كشفت عن فساد كبير بسبب تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، وانتهاك لحقوق الإنسان وعدم تنفيذ أحكام القضاء. و كلنا علي علم بالشاعر محمد بن الذنيب العجمى الذي حكم عليه بالسجن 15 عاماً لكتابته شعرا يدعو فيه الشعب القطرى بالثوره ضد النظام الحاكم. و تركيا لا تختلف كثيراً عن قطر. فتأتى قناة "تي آر تي" التركية الموجهة للعالم العربي لتتبع هي الأخري طريق اللامهنية، وتنتهك معايير الصحافة الموضوعية وعدم عرض وجهات النظر المختلفة و الابتعاد عن وضع الأخبار في سياقها الصحيح. وهي تعطي مصر حيزا لا بأس به من أخبار كاذبة ومحاولة إظهار ثورة المصريين ضد النظام الديني الفاشي علي أنه انقلاب فرض علي الشعب، و لم يأخذها بإرادته. و في حقيقة الأمر أن إعلام تركيا الذي يهاجم مصر بشدة يعاني من حكومة تزداد التظاهرات ضدها يوماً بعد يوم، وتقل بها شعبية أردوجان، وينكشف تورط الحكومة في كثير من قضايا الفساد، ويعاني صحفيوها من قمع شديد ووضع الكثير منهم في السجون. ولو أن الدولة لا تبث قناة مصرية مباشرة في الدوحة أو قناة موجهة باللغة التركية، كما يفعلون لإقتناع الإدارة المصرية على مر العصور بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلاد أخرى، إلا أن الإعلام المصري بإمكانه محاولة التصدي لتلك الاتهامات من خلال قنوات عدة مثل قناة النيل الدولية التى تخاطب العالم الخارجى. فتستطيع أن تغير الصورة الفوضوية التي يحاول الآخرون نشرها وتأكيدها. كما تستطيع الفضائيات المصرية الخاصة، التي تصل لعديد من الدول، معالجة التغطيات الكاذبة والاتهامات بموضوعية ومن خلال تحليل سياسي هادئ يهدف إلي توصيل الحقيقة لأكبر قدر ممكن. لا ينقص القنوات التليفزيونية سوي وضع استراتيجيات على المدي القصير و البعيد في كيفية التصدي للإعلام الموجه الذي يحاول خدمة أجندات وأهداف خاصة.