سحب بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الاثنين، دعوته لإيران للمشاركة في مؤتمر « جنيف 2»، والمخصص لمناقشة سبل حل الأزمة السورية، والتي سرعان ما وافقت عليها، بدعوى رفض الأخيرة تأييد تشكيل حكومة انتقالية وفقًا لما نصت عليه بنود مؤتمر «جنيف 1». يأتي تغير موقف الأممالمتحدة، عقب تهديدات الائتلاف الوطني السوري المعارض بتعليق مشاركته في هذا المؤتمر في حال عدم تراجع الأمين العام للأمم المتحدة عن قرار مشاركة إيران، التي أعلنت صراحة رفضها المشاركة بشروط مسبقة، إلى جانب موجة الانتقادات الحادة تجاه تلك الخطوة من قبل المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة. ويتزامن قرار عدم مشاركة إيران في «جنيف 2» التي تعد أحد الأطراف الإقليمية المؤثرة في المعادلة السورية، والذي وصفته روسيا بكونه «خطأ»، مع إعلان إيران تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، عملاً الاتفاق النووي الذي تم بينها وبين القوى الكبري، لاسيما الولاياتالمتحدة. بصرف النظر عن العقبات التي تعترض طريق «جنيف 2»، إلا إن قرار الأممالمتحدة بسحب دعوة مشاركة إيران في المؤتمر، يدل على أمر واحد أن هناك رغبة أكيدة في ضرورة عقد المؤتمر في موعده، فهناك اتفاق عام من قبل الشعب السوري، والقوي الإقليمية والدولية التي تلعب دورًا محوريًا في المعادلة السورية، يرى أن الحل العسكري للأزمة السوري لم يعد مرجحًا نظرًا لتكلفته الباهظة التي يدفع ثمنها الشعب السوري، وينظروا إلى الحل السياسي باعتباره المخرج الرئيسي للأزمة. لكن التساؤل الذي يدور في الأفق ما هو مصير هذا المؤتمر، وهناك سيناريوهان بهذا الشأن، أحدهما متشائم يتنبأ بفشل المؤتمر، والآخر يقع على النقيض تمامًا من الأول، إذ يرى نجاح هذا المؤتمر تحت وطاة ضغوط الأطراف الخارجية. السيناريو المتشائم، والذي يذهب إلى عدم نجاح هذا المؤتمر، يدعمه عدد من المؤشرات ترجح صحته، لعل أهمها عدم وجود أرضية مشتركة للتفاوض بين طرفي الصراع الرئيسين، فأهدافهما تأتي على طرفي نقيض، حيث يتمثل هدف المعارضة من المشاركة في «جنيف 2» لتنفيذ بنود «جنيف 1» وتشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة، في حين يرى «الأسد» أن هدف المؤتمر هو مكافحة الإرهاب في سوريا. وفي الوقت التي تؤكد فيه المعارضة السورية ضرورة رحيل نظام الأسد وفقما صرح به أحمد الجربا، رئيس ائتلاف المعارضة السورية، بأن الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب هي «أن يتنحى النظام ويسمح للديمقراطية أن تعود لسوريا»، يرى النظام السوري أن من حق الأسد ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في يونيو المقبل، فقد أكد وائل الحلقي، رئيس الوزراء السوري «واهم كل من يعتقد أن الوفد السوري ذاهب الى المؤتمر الدولي حول سوريا ليسلم السلطة إلى الأخرى». ومن خلال ذلك يبدو أنه من الصعب تقديم أي طرف من طرفي الصراع تنازلات بشأن رؤيتهما من المؤتمر، وحتى لو تم الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية، فهل ستوافيق المعارضة أن تضم تلك الحكومة بعض المحسوبين على نظام «الأسد»، وهل سيوافق «الأسد» على منح تلك الحكومة صلاحيات كاملة. السيناريو المتفائل، والمتمثل في نجاح المؤتمر، نظرًا لدور الأطراف الخارجية، لاسيما الطرفان الرئيسان الراعيان لهذا المؤتمر، موسكو التي تدعم نظام «الأسد»، وواشنطن التي تدعم المعارضة السورية، والتي كانت المحفز الرئيس لمشاركتها في المؤتمر، حيث تلعب الأطراف الخارجية دورًا مهمًا في الضغط على طرفي الأزمة، من أجل الوصول إلى ترضية مشتركة، وحل توافقي يرضي جميع الأطراف، من خلال العمل وقف إطلاق النار بين الطرفان، والإفراج عن المعتقلين والأسرى، والسماح بتأمين وصول الإمدادات الغذائية والطبية والوقود والبدء في تشكيل حكومة انتقالية. ويمكن القول بأن الأزمة السورية بحاجة إلى عمليات تفاوضية كثيرة، فمؤتمر «جنيف 2» لن يكون الأخير في سبيل تقريب وجهات النظر بين الطرفين، نظرًا لأن الأزمة السورية متشعبة، إذ يدخل فيها الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية، ومن ثم فإن «جنيف 2» تعد خطوة في طريق الألف ميل للتقارب بين الطرفين والعمل على حل الأزمة بطرق غير عسكرية.