القاضى المستعجل لا يحكم إلا بإجراءات وقتية، دون أن يتعرض لأصل الحق الذى يبقى سليما يتنازع فيه الخصوم أمام محكمة الموضوع. أى حكم يتضمن فصلا فى أصل الحق هو حكم خارج نطاق ولاية القضاء المستعجل. لكل قضاء ولاية لا يجب عليه أن يتعداها؛ الحكم الذى يصدر خارج الاختصاص الولائى للمحكمة باطل. فى 23 سبتمبر الماضى أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكما «بحظر تنظيم الإخوان والتحفظ على أموالها ومقارها المملوكة أو المؤجرة وأموال أى شخص تابع لها وأى مؤسسة أو شركة تضم فى مجالس إدارتها أى عضو من أعضائها؛ وتشكيل لجنة لإدارة هذه الأموال». الحكم بصورته هذه خارج بالتأكيد عن ولاية القضاء المستعجل. سارعت الحكومة إلى قبول الحكم وتنفيذه على الرغم من أنه كان لديها من السلطات القانونية ما يخولها للوصول إلى النتيجة ذاتها. جماعة الإخوان هى جماعة محظورة. الجمعية التى سجلتها بعد صدور دستور 2012 جرى حلها بموجب قرار صحيح من وزير التضامن. قرار الحل كان يتيح للحكومة أن تتحفظ على أموالها ومقارها، وأن تتابع تلك الأموال تحت أى يد تكون، ولكن بشكل أكثر مهنية واحترافا. يوم الاثنين الماضى أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة– مرة أخرى– حكما بحظر التظاهر فى الجامعات؛ تعرض الحكم لأصل الحق فى التظاهر، وهو أمر ممنوع بالقانون. التظاهر داخل الجامعة بشكل سلمى لا يحتاج إلى موافقة. التظاهر العنيف الذى يقوم به طلاب الإخوان فى الجامعات هو جريمة تتيح للشرطة التدخل لمنعها والقبض على مرتكبيها. حكم القضاء المستعجل لا يفعل أكثر من أنه يجعل الناس فى شك حول مدى التزام القضاء المصرى بالقانون وقدرته على تطبيقه. يجب على هيئة قضايا الدولة أن تطعن فى هذا الحكم؛ وأن تعلن الحكومة بوضوح أنها لن تنفذه ما لم يصبح نهائيا. التفتيش القضائى يجب عليه أن يقوم بدوره فى الرقابة على تطبيق شباب القضاة للقانون، وأن يرسل إليهم ملاحظاته على أحكامهم، وأن يسألهم عنها. استخدام القضاء المستعجل لتحقيق أهداف سياسية ليس جديدا؛ الجديد أنه يستخدم اليوم بشكل أكثر حدة وجذرية فى صراع سياسى محتدم. فى تسعينيات القرن الماضى لجأت الحكومة إلى القضاء المستعجل لوقف حكم محكمة النقض القاضى بالتفريق بين المرحوم الدكتور نصر حامد أبوزيد وزوجته لرأى علمى أبداه؛ كانت تلك المرة الأولى التى يستطيع قاض فرد أن يوقف حكما لخمسة من مستشارى محكمة النقض. كانت الحكومة وقتها تستطيع أن تستخدم حكم التفريق بين الزوجين لتنقية القوانين التى تتيح لمحكمة أن تصدر مثل هذا الحكم المريب؛ وأن تحاول تنقية القضاء من أصحاب الاتجاهات الدينية المتشددة أو الميول السياسية الظاهرة. التاريخ يكرر نفسه، الحكومات الضعيفة تبحث دائما عن ستار تختبئ خلفه لأنها تشعر بأنها لا تحظى بالتأييد الشعبى الكافى الذى يُمكنها من اتخاذ القرارات الصعبة بنفسها. يجب دائما أن تبدو وكانها تنفذ أحكام القضاء حتى لو كان الثمن سقوط هيبة القانون فى نظر المجتمع.