أعتقد أن الجدل المثار حول تغريم الاتحاد الدولي «فيفا» الاتحاد المصري لكرة القدم بمبلغ 2 مليون دولار به كثير من الالتباس. فقد يكون «فيفا» لديه الحق في فرض هذه الغرامة، لأنه الجهة التي تبيع حقوق بث المباريات للقنوات الفضائية المختلفة، لكن ما يعنيني هنا هو المواطن المصري، وأتساءل هل لديه الحق في مشاهدة منتخبه الوطني دون تغريمه أموالًا لقنوات مشفرة؟ بالطبع من حقه. وهل يستطيع «فيفا» أن يمنع أي دولة أوروبية من بث مباراة رياضية يكون منتخبها الوطني طرفًا فيها؟ بالطبع لا. إذا لماذا قام «فيفا» باتخاذ هذا الموقف من اتحاد الكرة المصري؟ الإجابة بسيطة: عشان مفيش التنظيم. فقد حاولت البلدان العربية ضمان هذا الحق في عام 2008 عندما أصدرت وثيقة تنظم البث الفضائي للدول العربية، التي نصت في البند الخامس على التالي: «تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث، وإعادة البث الفضائي بتطبيق المعايير والضوابط العامة التالية في شأن كل المصنفات التي يتم بثها». ويتضمن هذا البند عدة نقاط منها «ضمان حق المواطن العربي في متابعة الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية الكبرى، خصوصا الرياضية منها، التي تشارك فيها فرق أو عناصر وطنية؛ وذلك عبر إشارة مفتوحة وغير مشفرة أيا كان مالك حقوق هذه الأحداث حصرية كانت أو غير حصرية»، ولكن تجمدت الوثيقة، لأنها كانت ملغمة ببعض الألفاظ «مثل عدم إهانة الرموز الدينية والسياسية وعدم المساس بسمعة مصر»، التي تعطي الحق للرؤساء والملوك والحكومات في أن يتدخلوا في السياسات التحريرية لوسائل الإعلام المختلفة. ولكن تطبق الدول الأوروبية فكرة التنظيم، ولديها وثيقة «تليفزيون بلا حدود» منذ عام 1989، التي تحتوي على المبادئ العامة لتنظيم عملية البث للتليفزيون في جميع دول أوروبا، وتنص هذه الوثيقة على أن حق المواطنين مكفول في مشاهدة الأحداث المهمة مثل الأحداث الرياضية الكبرى، لكن على كل دولة النص على تلك الأحداث والاتفاق مسبقًا على إذاعتها في التليفزيون الرسمي للدولة. وفي عام 1997 في بروكسل ناقشت بعض دول الاتحاد الأوروبي فكرة امتلاك الحقوق الحصرية للأحداث الرياضية باعتبارها مصدر دخل مهمًا للقنوات الفضائية المشفرة، ولكن في الوقت نفسه نصت على ضرورة التوازن بين الحقوق الحصرية وحق المواطن في مشاهدة بعض الأحداث الرياضية دون مقابل، خاصة أن معظم الدول الأوروبية تقدم إعلام الخدمة العامة، الذي يحرص على مصلحة المشاهد، ويضمن تقديم شيء مختلف، لذلك تنص الدول الأوروبية على الأحداث الرياضية المهمة مثل المباريات النهائية للمنتخبات لتكفل حق المواطن في مشاهدتها على قنواتها. وإذا كنا نتحدث عن تحويل الإعلام الحكومي المصري إلى إعلام خدمة عامة، فإن الاتفاق على إذاعة الأحداث الرياضية الكبرى من المكونات والركائز الأساسية لهذا النظام، فمع تعدد وسائل الإعلام تزداد أهمية وجود إعلام يحرص على مصلحة المشاهد في إطار تنظيمي مسؤول.