في حقيقة الأمر، لم أرَ من استقالة رئيس الهيئة العامة للاستعلامات أي دور ريادي أو بطولي، كما يقول البعض، كان رئيس الهيئة قد استقال على أثر ملصق دعائي يظهر فيه خطأ لغوي وثلاثة من أصل خمسة أشخاص لوجوه أجنبية، كما أوردت الصحف. فأنا من الأساس لم أعتبر اعتذار الهيئة عن الملصق الدعائي الذي ظهر في مؤتمر صحفي للجنة الخمسين المسؤولة عن تعديل الدستور مرضيًا او كافيًا أو مقبولًا على الإطلاق، وبرأيي الشخصي أنه كان مهزلة بشتى المقاييس. فالهيئة كان همها الشاغل أن تنفي مسؤوليتها عن هذا الملصق المشين وتسنده إلى جمعية غير حكومية قامت بإهدائه للهيئة قبل المؤتمر بساعات قليلة. أولاً، أليس بضع ساعات وقتًا كافيًا للنظر في ملصق مكون من ثلاث كلمات وخمسة أشخاص؟ ثانيًا، هل يحتاج هذا الملصق إلى تنظيم لجنة لفحصه والتدقيق فيه؟ وثالثًا، ماذا لو لم يتم إهداء ملصق لهذه المناسبة؟ وأخيرًا، ألم تكن الهيئة على استعداد لوضع ملصق من تصميمها؟ وإذا كان كل من يعمل على تنظيم المؤتمر قد غفل عن ملاحظة ما بالملصق من أخطاء، ألم يلتفت إليها أي عضو من أعضاء المؤتمر؟ كيف يوافق السيد عمرو موسى على بدء مؤتمر يتحدث عن دستور مصر الجديد وما يتضمنه من حقوق وواجبات مع وجود ملصق يخالف اللغة ويثير الجدل ويتعارض مع بعض الفقرات والمواد من الدستور؟ فالصور المستخدمة لهذا الملصق مخالفة للمادة (69) من باب الحقوق والحريات والواجبات العامة التي تنص على: «تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في كافة المجالات وتنشئ جهازًا مختصًّا لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وينظم القانون ذلك». وهنا نرى أن تلك الصور تعتبر ملكية لشركات أخرى، لا يمكن استخدامها وتداولها دون موافقة من تلك الشركات، وإلا اعتبرت انتهاكًا صريحًا لحقوق الملكية الفكرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن صور الأشخاص مخالفة للهوية المصرية. فمع كامل التقدير لصورة السيدة الإيرلندية، كما ذكرت إحدى المصادر العربية، لكنها لا تعكس صورة المرأة المصرية ذات الملامح الشرقية. ويتكرر الموضوع مع الطبيب الذي تعكس ملامح وجهه الملامح الأوروبية، وليس لديه أي صلة بالملامح المصرية. ونرى التكرار مرة أخري مع صورة الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي لم يفكر أحد في الذهاب إليهم أو تصوير بعضهم. وينتقص الملصق صورة الشباب المصريين الحقيقيين والأقليات، كوجود وجوه لأفراد من البدو والنوبة وغيرهما، حتى يعكس بالفعل شعار الملصق «دستور لكل المصريين». ولكن حتى الشعار لم ينتبه إليه أحد، وظهر بخطأ لغوي يعكس قدرًا كبيرًا من الإهمال واللامهنية (وبالطبع الهيئة غير مسؤولة !!!) ولكن للأسف الابتعاد عن ممارسة الدقة وعدم الانتباه تمامًا لغلطة لغوية في شعار مكون من ثلاث كلمات للدستور الجديد الذي ينتظره المصريون، وضحى من أجله الآلاف، يثير كثيرًا من التساؤلات حول ما قد يوجد بهذا الدستور من هفوات قد لا ينتبه إليها أحد. فالخطأ مشين وإنكار المسؤولية وسرعة التخلي عنها لن يكون أبدًا مبررًا للإعفاء من الخطأ، وإلا سنرى المزيد من الأخطاء والفضائح. بل إنه عذر أقبح من ذنب.