تنتابني مشاعر متفاوتة سيادة الرئيس وأنا أسترجع الأسابيع القليلة الماضية، إذ كنت أدركُ كم يعاني مدراء التوظيف في العثور على الموظف الكفء وهي مشكلة يواجهها أي مدير أو مسؤول. وكما كتبت لسيادتكم في الرسالة الأولى، فإني أعلم بأن سيادتك كنت حريصا على توظيف الشباب ما استطعت إلى ذلك سبيلا. ولعلي أتفهم أنك سيادة الرئيس تفعلُ ما كنتَ تعتقد حقا وصدقا أنه في صالح هذا الوطن الذي حملت رأسك على كفيك في سبيله طيارا وقائدا عسكريا ثم نائبا فرئيسا. في عنفوان الاحتجاجات، كنت أغضب كثيرا من تصريحات لجماعات وأحزاب وحركات وحتى لمشاهير ولكني في نفس الوقت كنت أدرك تماما أن مصر التي تحبها سيادتكم، ويحبونها هم، وأحبها أنا، ويعشقها ملايين الشباب والشياب، كلهم سيادة الرئيس يحبها بطريقته ووفق الطريقة التي يعتقد أنها الأسلم والأوفق والأفضل لوطن عظيم كان قادته – وسيادتكم أحدهم بلا شكّ- عِظاما، وكان شبابه وقود انتصاراته، وكانت قواته المسلحة حارسة شرعيته وصمام أمانه. لقد قرأت في التاريخ سيدي أنّ الصحابة استطالوا مكث الفاروق عمر بن الخطاب في الخلافة، وهو أحد المبشرين بالجنة؛ ثم تعلمت في كلية الإدارة أنّ تغيير القيادة يجدد الدماء في المنظمة(Organization) بما يتيح للقادة السابقين أن يستحثوا أفكارهم ليكونوا(ThinkTanks)للقادة الجدد. صحيحٌ أنّي وملايين غيري كنا نرى في خضم الأحداث أن تكمل سيادتكم إلى الانتخابات الرئاسية القادمة، إلا أنّ قرار سيادتكم تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدا مخرجا منطقيا وانتشالا للبلاد من الوقوع في المجهول وسط تأجج عواطف وانفعالات الشارع والميدان. إنّ لقاء بين إنسانين رائعين عن الفاتورة التي دفعها الجميع بلا استثناء، يسهم في دفع الجميع للتحرك من أجل غدٍ أفضل كان يحلم به –على اختلاف في التفاصيل- الراحلون محمد علي وحتى الملك فاروق، مرورا بالرؤساء محمد نجيب، وجمال عبدالناصر، وأنور السادات، وسيادتكم، بل وجموع الشعب المصري، هذا التحرك نحو الغد الأفضل يرسم في الأفق تفاؤلا يقضي على أية تخوفات لديّ من تكرار بعض ما أفرزته ثورة يوليو1952م واضطرابات تونس من تغييرات مجتمعية واقتصادية. لقد انفعل شباب كثيرون (ولعلي حاولتُ شرحَ مسببات ذلك عبر هذه الرسائل وكيف أنّه لم يكن ضد سيادتكم كإنسان أو رئيس)، واختلفَ معهم كثيرون حتى في طريقة تعبيرهم، إلا أنّ الجميع وأولهم سيادتكم متفقون أنّ مصرَ ستظل من قبلُ ومن بعدُ باقية في عقل ووجدان أبناءها بل والعالم كلّه. وإلى حين إفصاحكم للتاريخ على ما لدى سيادتك ومعاونيك من أسباب قد تفسر سير الأمور (بما في ذلك سر تجاهل رؤساء سابقين للرئيس الراحل محمد نجيب والذي أعاد سيادتكم إليه الاعتبار في السكنى ومن قبلُ في التقدير الأدبيّ)، إلى ذلكم الحين لسيادتكم كل التحية والاحترام. ولا أجد ختاما لهذه الرسائل أجمل مما كانت تتضمنه العديد من خطابات سيادتكم: حفظ الله مصر وشعبها وسدد على الطريق خطانا.