لم تكن أحداث واحتجاجات الخامس والعشرين من يناير2011م نتاج سياسات حكومية أو إعلامية فحسب يا سيادة الرئيس. لقد كانت نتاج أخطاء اشترك فيها كل أفراد المجتمع بدء من المواطن ومرورا بالأسرة والإعلامي والتاجر والشيخ/القسيس والمثقف وانتهاء بالموظف الحكوميّ، ولا أستثني برامج التوك شو والتي كان بعض مشاهير مذيعاتها/مذيعيها لا يدركون خطورة السلاح الذي يتحكمون فيه (المايكروفون والكاميرا). لقد كنت أستمع لمحاضرات دينية لبعض كبار المشايخ وأتعجبُ كثيرا من التعميم الشائع في شرائطهم، فكلّ غير محجبة هي مخطئة وهي في النار هكذا، فضلا عن تعميم وصف الالتزام على كل ملتحٍ. كنتُ أتأمّل في إعجاب شرائح عديدة من المصريين بالأستاذ المحترم حمدي قنديل حفظه الله، وكذلك بالراحل الشيخ عبدالحميد كشك في ذكرهما لأسماءٍ المخطئين علنا دون إشارة لوجهة نظر أخرى أو دوافع محتملة لهذا التصرف أو ذاك، رغم أنّ الشيخ كشك رحمه الله تراجع ونصح بعض تلامذته بالامتناع عن ذلك. لقد كانت تغطية الإعلام المصري لأحداث تونس وتصوير ما حصل هنالك بانتصار للشعب التونسي مع إغفال نتائج ما حصل هنالك على الأرض من استمرار الاحتجاجات وتوالي الاضطرابات كنتيجة طبيعية للسيولة الجماهيرية الهادرة، لقد كان هذا خطأ فادحا للإعلام من وجهة نظري الشخصية. لقد تملكتني الدهشة وأنا أشاهد نماذج محترمة لها فضلٌ لا ينكر عليّ وعلى أبناء جيلي (بل على الوطن والإنسانية) كالدكتور أحمد زويل، د.عمرو خالد أو الشيخ محمد حسان حفظهم الله، وكلّها نماذج نظرت –من وجهة نظري الشخصية- إلى جانب واحد من الصورة دون النظر إلى النتائج الاجتماعية المترتبة على الاحتجاجات والتي كانت تتطلب من وجهة نظري معالجة مختلفة منهم ومن آخرين من كرامٍ أفاضل آثروا الإمساك بالعصا من المنتصف. لقد كان جانبٌ من مشكلات المجتمع – ناهيك عن عمولات يتقاضاها أطباء وإعلاميون – يعود إلى شركات خاصة (وما أكثرها) تدفع رواتب شهرية دون الألف أو الألف وخمسمائة جنيه لموظفيها، وهي رواتب تعني تشجيع العشوائيات واضطرار هذا الموظف إلى الإقامة في سكن غير آدمي ودون تهوية جيدة وربما في غرف مشتركة تضم أكثر من أسرة، وما ينتج عن ذلك من اضطرابات اجتماعية. ينتج عن هذا سيادة الرئيس أيضا أمراض صحية وحساسيات صدرية للأطفال الذين عاشوا في هذه الظروف، ويترتب على ذلك تردد على المستشفيات. وغير خافٍ على سيادتكم ما يتطلبه هذا من علاجٍ ومواصلاتٍ تزيدُ من التهامِ الراتبِ الهزيلِ لذلك الموظف، وبالتالي يصبح المجتمعُ أمام خيارين: إما فرض ضرائب جديدة، وإما أن يبادر أصحاب الشركات الخاصة إلى تحسين مستوى المرتبات (وهو الأكثر فعالية لأنّ الضرائب المفروضة ستقتطع من أرباحهم لصالح هذا الموظف). إنّ غياب ثقافة الاستماع إلى الشباب وداخل الأسرة المصرية مشكلة يرصدها بوضوح كل من يدقق في مضمون برامج الفتاوى الدينية والبرامج الاجتماعية، وأصبحت أكثر وضوحا في ارتفاع نسب الطلاق خلال السنوات الأولى بين الشباب حديثي الزواج، بل وحتى في تخصيص محكمة مستقلة للأسرة. تباطؤ تطبيق العدالة يا سيادة الرئيس كان عاملا مزعجا للوطن ولاقتصاده كذلك، وقد رأيت بنفسي من كان يبيع عقارا بثمنٍ أقلّ بخمسين ألف جنيه عما إذا ما باعه لمن يسدد الثمن على دفعات خلال ستة أشهر، وحين سألته عن السبب قال: إذا تراخى الذي يريد السداد بالتقسيط ولم يلتزم بمواعيد السداد فإنّ القوانينَ واللوائحَ التنفيذية لن تمكنني من الحصول على حقي، ولذلك آثرتُ –والكلام على لسانهِ- القبول بالبيع نقدا بثمن أقلّ. إنّ تشابكَ مؤسسات الدولة المصرية والتعداد السكاني الكبير للمواطنين (155مليونا في 2050م) يفرضُ حقا –وعلى الجميع وليس فقط الحكومة- ضرورة البحث عن حلول مبتكرة (بما في ذلك دعمEntrepreneurshipفي زمنKnowledgeWorker) وآليات فعالة للمشكلات، ولا ينكر أحدٌ أنكم يا سيادة الرئيس بدأتم فعلا النظر في استقلالية متزايدة ماليا وإداريا للحكم المحلي بالتزامن مع مشروع قانون جديد للوظيفة العامّة كانَ من بنوده الإلزام بالنشر العلني لكافة الوظائف الشاغرة في الجهاز الحكوميّ.