إنّ المتظاهرين يا سيادة الرئيس لم يكن هدفهم زيادة في راتبٍ، أو احتساب وجبة عمل، أو ما هو أكثر أو أقل من ذلك، وإنما كان الشباب نساء ورجالا يطمحون إلى أن يعترف المجتمع بهم، بصوتهم، بأحلامهم، بصرخاتهم، بأفراحهم، وبمشاعرهم، والأهم: كانوا يتطلعون إلى أن ينتموا لكيان قوي عظيم يستشعرون ملامح عظمته في تصريح، أو بيان، أو تحرك سياسي أو اقتصادي، لا أن يَرَوا وزير خارجية جمهورية مصر العربية في برنامج القاهرةِ اليومِ منفعلا من قناة فضائية لا يزيد أقصى حجمٍ لها عن شاشة خمسين بوصة رغم أن الوزير أبو الغيط رجلٌ يلمس فيه الجميع الاحترام خصوصا وأنه عمل مع مستشار الأمن القومي أثناء حرب أكتوبر وهو قبل كل شيء ينتمي للخارجية المصرية تلك المؤسسة الوطنية العريقة. نعمْ سيادة الرئيسِ: لقد كانت هنالك نجاحات كثيرة تفوق الإخفاقات ولكنَّ عدم النجاح الإعلامي في إبراز النجاحات، وغياب مكاشفات من النوع الذي صرحتم به سيادتكم في خطاب التفويض بأن الخطأ وارد، كل هذا أدّى لزيادة دور الانترنت. زاد من دور الانترنت غياب الإعلام الرسمي عن الساحة، وقد لا تعلمون يا سيادة الرئيس أن خطابكم الأول ليل أول جمعة في الأحداث كان يعاد على فضائية العربية عدة مرات أثناء الساعة الإخبارية الواحدة بينما كانت القناة الأولى تبث برنامجا عن الماء من نوعية تلك البرامج القديمة ذات التترات الخضراء في الفترة من الثالثة صباحا حتى ما بعد الفجر. لقد كان من السهل يا سيادة الرئيس رصدُ تأثير الانترنت في مصر، فبدء من إضراب السادس من إبريل (والدعاية المضادة التي روجت له من الصحف "القومية")، ومرورا بالوقفات الصامتة ووقفات الحداد بالملابس السوداء، كل هذه كانت مؤشرات متزايدة على وجود تأثير لأدوات الانترنت على أرض الواقع، وخصوصا مع الزخم الإعلامي الذي صاحب وصول رجلٍ أجاد استخدام الإعلام كالدكتور محمد البرادعي. لاحظ سيادة الرئيس أنّ قطاع الاتصالات ونظم المعلومات كما أنّه يحتضن وزارات عديدة، فإنه يحتضن كذلك شبابا طامحا متمكنا من أدوات العصر. في مصرَ (ومن أبناءها بالخارج) يا سيادةَ الرئيسِ مليون وائل غنيم ربما لم ينشئوا صفحات فيسبوك ولم يتمكنوا من بث أفكارهم، فاكتفوا بالنظر إلى دول مثل تركيا وماليزيا وكوريا الجنوبية ومقارنتها بواقع وطنهم مصر التي تعلم في أزهرها وجامعاتها بعض من قادة تلك الدول، رغم أنّ أحدا لا ينكر حقيقة أنّ ثقافة الاستماع للشباب أو تمكينهم من تطبيق أفكارهم الخلاقة والمبتكرة ليست بالشيء المتوافر بغزارة في مصر وهنا دليل واحد من الوسط الأكاديمي على لسان الدكتور أحمد الطيب حين رأس جامعة الأزهر. لقد أثبتت الانترنت بوصفها وسيلة إعلامية أنها حقا صانعة للأحداث والتغييرات، وأثبت المصريون باستيعابهم لتقنياتها بأنّهم دائما الأسرع قدرة على الاستفادة من كل ما هو جديد. بل إنني أتوقع دورا متزايدا للانترنت في تقريب الشعوب، وزيادة الإحساس المشترك بالوحدة الإنسانية ونبذ العنف والإرهاب، وأتوقع قريبا أو بعيدا ثورة مماثلة لما حصل في مصر ولكن داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد سياساتها المنحازة لصالح إسرائيل، وقد تكون الثورة ناعمة دون ضجيج (أي باقتناعٍ من الشباب الأمريكي يدفعه للتصرف وفق ضميره)، أو في ميدان التايمز سكوير هنالك، وهو ما قد يضع شركات الانترنت ومواقع البحث العملاقة أمام تحدٍ كبيرٍ. الانترنت أيضا كشفت لنا اختلاف النص الإنجليزي لمقال سيادتكم في الوول ستريت جورنال عن ترجمته العربية في الأهرام وتحديدا فيما يتعلق بالجزئية المتعلقة بحماية أمن إسرائيل كأحد بنود قمة بيروت 2002م (والتي أفهم أنها مرتبطة أساسا ليس بإسرائيل نفسها وإنما بعلاقات العالم وليس نحن فقط مع كيان استراتيجي كالولاياتالمتحدةالأمريكية). لقد ظهر نص أمن إسرائيل في النسخة الإنجليزية (النسخة الأصلية) واختفى من الترجمة العربية. وهو ما يمهد لرسالتي السادسة إلى سيادتكم بعنوان (الصراحة).