مصر اليوم تمر بمنعطف تاريخى مدوى سيؤثر على المنطقة بأسرها خلال العقود المقبلة تلك الثورة الشبابية التى أحدثت زلزالا كبيرا فى بنية المجتمع المصرى من حيث المفاهيم والمبادئ التى ظلت راسخة بجذورها الضاربة فى الأرض عن طبيعة ذلك المجتمع الذى ظل مستكينا لسنوات طويلة لا يطالب بحقوقه و لا يتحرك له ساكنا حتى لو انتزعت منه حقوقه إنتزاعا ولكن ذلك لا يعنى أن الشعب لم يكن بين الحين والآخر ينتفض على الأوضاع السيئة المحيطة به ولكنه للآسف عندما يرى عصا السلطة تعلو فوق رأسه يعود إلى إدراجه ساكنا راضيا بما لديه يحاول أن يحافظ بقدر المستطاع على ما تبقى لديه من حقوق ولكنه يفقدها مع مرور الزمن نتيجة تهميش السلطة لقضاياه و مصالحه لأنها لم تكن فى قمة أولويات الدولة بل على العكس كانت الأولويات يحددها المنتفعين من أصحاب المصالح المحيطين بدائرة صناعة القرار و كان الوزراء يتغنون دائما برعاية مصالح الشعب وهم أبعد ما يكون عن رعاية المحتاجين لنظرة العطف من قبل الدولة لأنهم كان يسعون دائما للتكسب من وراء الكرسى و تحقيق أهدافهم الخاصة من وراء العمل العام وكان الشعب واعيا بذلك ولكنه كان يغلى من الداخل و لا يعرف طريق الخلاص من كابوس الأوضاع المقلوبة التى توجد فى تلك الدولة حتى جاء يوم 25 يناير ونهض الشباب المصرى الفتى بهزة عنيفة للمجتمع يريد أن يقول فيها أن العدل هو الأساس الذى تقوم عليه الدول وبقائها يظل مرهونا بحافظ تلك الدول على قيمة العدل بين أفراد المجتمع وأن الأنظمة التى تناهض و تحارب تلك القيمة العظمى مصيرها إلى الزوال لأن سنن الله فى خلقه لا تحابى أحدا ولا تجامل أحد على حساب الآخر تلك الثورة أحدثت متغيرا جديدا لم يكن فى حسبان النظام كسر فيه ثابت من الثوابت التى كان المجتمع المصرى يتمتع بها ألا هو كسر حاجز الخوف من السلطة التى كانت تقمع صوته عندما يبحث عن حقوقه ويطالب بها فحاولت السلطة أن تستخدم هذا السلاح فى وجه الشباب الثائر ولكنها وجدته صامدا متحديا فكان يتعامل بأدوات جديدة لم يكن يعهدها النظام وأسلحة لا يستطيع أحد أن يقهرها ومن أهم تلك الأسلحة سلاح إرادة التغيير و الرغبة فى الإصلاح من أجل مستقبل أفضل تكون فيها مصر للمصريين الشرفاء الذين يريدون أن يقوموا ببناء دولة قوية تسترد فيها مكانتها وكرامتها أمام العالم و تقدم خريطة جديدة للمنطقة لم يعهدها العالم من قبل فكانت صحوة الشباب بمثابة بداية تفكيك لمفهوم التسلط و القمع الذى كان يستخدمه النظام للقضاء على أى حركة معارضة له وأن هذا الطريق لم يصبح مجديا و نافعا للنظام حتى يبقى فى السلطة الشباب المصرى أثبت أنه شباب متحضر عندما قام بالمظاهرات بطريقة سليمة وفى نفس الوقت إستخدم اسلوب الإعتصام فى ميدان التحرير كفكرة جديدة للتعبير عن مطالبه التى يريدها من النظام وإصراره الشديد عن عدم تركه ميدان التحرير حتى تتحقق مطالبه مهما كان الثمن الذى سوف يدفعه الشباب حتى لو كان الإستشهاد فى سبيل الإصلاح من المجتمع وهنا وقفت السلطة عاجزة أمام شباب يقدم أروع أنواع التضحيات من أجل تحقيق أهدافه التى هى أهداف الشعب الكادح المسحوق فأننا أمام طبيعة جديدة تعيد بناء تركيبة المجتمع المصرى من حيث العزيمة التى ليس لها حدود أو محددات تقيد حركتها من أجل مواصلة المشوار حتى النهاية نحن أمام ملحمة وطنية تعيد بناء الثقة للانسان المصرى توحد صفوف المجتمع وتضفى عليه بهاءا و مهابة يعمل أبناء الوطن الواحد من خلالها تحت ظل إرادة شعبية تسعى مناضلة لتسترد حقوقها الضائعة وتحارب الفساد الذى نخر فى جسد الأمة لفترة زمنية لا يستهان بها ولكننا جميعا يجب علينا أن نخلص الدولة من بؤر الفساد التى عكرت علينا صفو الحياة وجعلتنا لسنين طويلة نظن اننا ليس بأمكاننا الخلاص منه ولكن تلك الثورة جعلت الأمل معقودا حتى نتنفس هواءا نقيا من عوادم الفساد والتسلط والقمع والظلم ونتخلص من تلك الآفات التى سأمنا وجودها فى حياتنا .