انتشر نوع جديد من الأمية فى مدارس الثغر، لم تشهده من قبل، ليس فقط بين الأشخاص الذين لم يلتحقوا بالمدارس، وإنما بين المتعلمين داخل المدارس نفسها، وهى الحقيقة التى أكدها عدد كبير من المدرسين والتربويين وأظهرتها العديد من الدراسات العلمية. وكشفت دراسة علمية ميدانية حديثة، أجراها الدكتور خالد سمير، على مدرستين، عن أن نجاح الطلاب فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية يتم بطريقة غير أمينة، ولا يرتبط بالمستوى العلمى، وأن 97.7% من طلاب الثانوية العامة لا يجيدون القراءة بشكل صحيح، فضلاً عن وجود دراسات سابقة تؤكد أن نسبة عالية جدا من تلاميذ المرحلتين الابتدائية والإعدادية لا يجيدون القراءة والكتابة بنسبة تصل إلى 30%. قال عثمان عبدالله، مدرس إعدادى، إن المشكلة ليست جديدة على مدارس المحافظة، بل منتشرة بين الطلاب، «ونرى هذا الواقع المؤلم فى المدارس كل يوم، فكثيرا ما أقابل طلابا فى المرحلة الإعدادية لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، وهو ما يؤكد أن التقييم فى الامتحانات الرسمية بالمدارس لا يوضح حقيقة مستوى الطالب». وتساءل رمضان السيد - مدرس: «كيف ينجح طالب فى اللغة العربية فى جميع السنوات الدراسية حتى يصل إلى مرحلة جديدة دون أن يكون قادراً على الكتابة؟!». وقال إن المشكلة الأكبر تكمن فى أن الطلاب غير القادرين على القراءة والكتابة لا يستطيعون استيعاب المواد الدراسية الأخرى المقررة عليهم، مما يترتب عليه نشأة أمية جديدة من نوع مختلف وهى أمية المتعلمين. من جانبه، أرجع الخبير التربوى صلاح فايد، مدير إحدى المدارس، المشكلة إلى تكدس التلاميذ داخل الفصول التى يضم كل منها 80 أو 90 طالباً، مما يجعل المعلم يواجه صعوبة فى متابعة كل الموجودين، فيهمل من لا يتجاوبون معه، مشيراً إلى أن المشكلة الأكبر تكمن فى منحهم درجات النجاح كل عام، وانتقالهم من صف إلى آخر بالأسلوب نفسه، إلى أن تتفاقم الأزمة ولا يستطيع أحد مواجهتها. وطالب «فايد» بتنظيم فصول، لتعليم هؤلاء الطلاب أثناء الإجازة الصيفية، على أن يتم إجراء اختبار فى بداية العام الدراسى، لتحديد الطلاب غير القادرين على الكتابة، ووضعهم فى فصول خاصة مع التركيز على تعليمهم الكتابة، متوقعاً أن يؤدى تكرار هذه الإجراءات إلى التغلب على المشكلة. وشدد على ضرورة إبلاغ أولياء أمور هؤلاء الطلاب بمشكلة أبنائهم، والتعاون مع المدرسة لوضع الحلول المناسبة، ويتم التنبيه على المدارس بضرورة الرقابة الشديدة على امتحانات اللغة العربية، وضرورة أن تظهر اختبارات اللغة العربية فى جميع الفصول الدراسية مدى قدرة الطالب على الكتابة. وقال الدكتور شبل بدران، عميد كلية التربية السابق: «المشكلة أيضاً أن العملية التعليمية تقوم من أساسها على التلقين والحفظ والتذكر، وهذه ثلاثية تقتل كل مظاهر الإبداع والمعرفة لدى المتعلم، ومن هنا تحولت المدرسة الابتدائية إلى كتّاب يحفظ فيه الطلاب كلمات ومعانى فقط». وأشار إلى أن المرحلة الدراسية الأولى، من الأول إلى الثالث الابتدائى، تقع عليها المسؤولية الأكبر فى بناء الإمكانيات، التى تعين الطالب على القراءة والكتابة، متوقعا زيادة المشكلة فى الفترة القادمة، بعد إلغاء وزير التربية والتعليم مرحلة الصف الثالث الابتدائى. وانتقد بدران ضعف ميزانية التعليم فى مصر، والتى أشار إلى أنها لا تتجاوز 35 مليار جنيه، يتم إنفاق 85% منها على الراتب والمكافآت، مطالبا بزيادة موارد التعليم والارتقاء وتأهيل المدرسين قبل منحهم الترخيص بمزاولة المهنة. وأكد محب عبود، ممثل النقابة المستقلة فى المحافظة، أن المشكلة تظهر أكثر فى المناطق الفقيرة أو النائية مثل برج العرب والعامرية، والتى تفتقد للبيئة التعليمية الصالحة - بحسب تعبيره. فى المقابل، قال سمير النيلى، مدير إدارة الإعلام بمديرية التعليم فى المحافظة، إن هذه المشكلة ليست بالصورة التى يتحدث عنها البعض، ووصفهم بالمبالغين، لكنه أكد أن المشكلة تكون موجودة فى مراحل التعليم الابتدائى، وفى بعض المناطق لظروف خاصة، ولكنها لم تصل إلى الحد الذى يمكن معه إطلاق وصف «ظاهرة» عليها، لافتا إلى أن الطالب الذى غش لكى ينجح لابد أن يكون على علم بالقراءة والكتابة على أضعف تقدير، مضيفاً أن جميع المدارس دون استثناء بها خطة لرفع مستوى التلاميذ الضعاف وتتم متابعة هذه الخطة بشكل دورى.
