أصبح وجود الباعة المتجولين واقعاً يفرض نفسه، بالرغم من كل محاولات تحجيمها، والسيطرة عليها، سواء عن طريق تشديد العقوبات، أو مطاردات شرطة الإزالة، فتزايد مسببات وجودهم، من البطالة والظروف الاقتصادية، دفع البعض للدعوة إلى حلول أخرى للمشكلة، بعيداً عن الحل المعتاد فى المطاردة والمنع. جمعية أو رابطة للباعة الجائلين فى المحافظة، كانت إحدى توصيات جلسة استماع بالمجلس الشعبى المحلى لحى شرق، عقدت فى ديسمبر 2008، لبحث تفعيل آليات قانون 112 لسنة 1980، والخاص بالتأمينات على الباعة الجائلين وأسرهم، حضرها رئيس المجلس مع ممثلين لجمعيات المجتمع المدنى، وعدد من الباعة الجائلين من المحافظة. فتح الله محروس، عضو لجنة تنسيق الحقوق العمالية والنقابية، أكد أن إنشاء جمعية مسؤولة عن رعاية الباعة الجائلين، هى فكرة ليست بجديدة، مشيراً إلى أنه كان جزءاً منها منذ حوالى 15 عاماً، عندما قدمها إلى منظمة الأممالمتحدة لإنقاذ الطفولة «اليونيسيف»، والتى وافقت على دعمها، وكان الغرض من المشروع تنظيم الباعة، وتوعيتهم بحقوقهم التى تشمل التأمين عليهم، وتوفير ظروف صحية مناسبة لهم، وفى الوقت ذاته، حقوق المجتمع، وهو شق يتعلق بحقوق المستهلك، خاصة حماية الناس من الأمراض الناتجة من غياب النظافة أو بيع سلع مغشوشة، وكانت أنشطتها تتركز على إصدار شهادات صحية للباعة وتوعيتهم بالطرق الصحية والملائمة مثل: تغطية الخضروات بالأسلاك وارتداء الجوانتيات وغيرها من الوسائل. وأوضح «محروس» أن إخفاق الجمعية فى تحقيق مهمتها والاستمرار، يرجع إلى غياب الوعى لدى البائعين، وقلقهم المزمن من موقف شرطة الإزالة، خاصة بعد تخويف بعضهم للباعة من تكوين تجمعات أو خلافه، حسب قول «محروس»، والذى يعتقد أن تنظيم الباعة ليس من الأمور التى ترغب بها الجهات الحكومية، بالرغم من جميع التوصيات التى تصدرها، ويختتم حديثه قائلاً: «لو كانت الحكومة عايزة يبقى فيه جمعية للبياعين، كانت عملتها، لكن الحقيقة هى العكس، لكن اللى بنشوفه إن كل اللى بتعمله هى ضربهم وبهدلتهم، على أيد شرطة الإزالة». أغلب من قابلتهم «إسكندرية اليوم» من الباعة لم يكن لديهم أى تصور للأمر، وإن كانوا من المشجعين له، بعد أن شرحنا لهم الفكرة، وأخبرناهم بالقانون الخاص بالتأمين عليهم، منهم محمد فهمى، بائع الإكسسوارات الحريمى، الذى أدهشه المقترح، مؤكداً أنها المرة الأولى التى يعرف فيها أن هناك مشروعاً لقانون للتأمين على البائع المتجول، وقال متعجباً: «أول مرة أعرف أن فيه قانون ممكن يكون فى صفنا، إحنا كل يوم فى مشاكل مع الحكومة علشان وضعنا مخالف للقانون»، وتتلخص كل أمنيات فهمى فى الأمان على نفسه وعلى بضاعته من شرطة الإزالة، بأى من الطرق المقترحة سواء كانت رخصة برسوم مالية وإجراءات معينة، أو تخصيص أماكن لهم بشروط محددة. فاروق عيسى، أو «عم فاروق بتاع الكبدة»، كما يعرفه أهل منطقته، واحداً من المتحمسين لفكرة إنشاء جمعية أو رابطة للباعة، وأكد أنه سمع عن هذا المقترح أكثر من مرة، على مدى سنوات عمله التى امتدت لأكثر من عشرة أعوام، اقترح خلالها أفكاراً مشابهة على عدد من زملائه من الباعة، وقال: «مهما قالوا عن الباعة المتجولين إنهم مخالفين للقانون أو غيره، الموضوع ينتشر مع زيادة البطالة والفقر وغلوا المعيشة وعدم وجود فرص أخرى، ولابد فى النهاية أن يصل صوتهم، بعد أن أصبحوا فئة كبيرة»، وتتلخص طلبات عم فاروق فى تقنين أوضاعهم، وتمثيلهم لدى الجهات عن طريق مجموعة منهم، تعرف مشاكلهم عن قرب، وتستجيب لحقوقهم. يوافق «عم فاروق» بشدة على فكرة إصدار رخصة تجدد كل فترة لكل بائع، يقوم قبلها بتسجيل بياناته الكاملة استعداداً للخضوع للرقابة على بضاعته، والتى يراها أفضل وسيلة للحفاظ على حقوق البائعين من ناحية حمايتهم من العقوبة الحكومية، وكذلك لاكتساب ثقة الزبائن. ويلخص مشكلة الباعة الجائلين فى مخاطر الشارع من تعرض البضاعة للتلف، وتعرض البائع للتحرش سواء من جانب ممثلى الشرطة أو من الناس العادية، وهو ما يزيد من أهمية التأمين، وإن كان يخشى من تحول الأمر فى حال تطبيقه بتعسف، وبدون مراعاة لظروف الباعة، إلى ما يشبه «الإتاوة» والتى يمكن أن تزيد من المشكلة ولا تحلها. من جانبه، ينفى فتحى عبداللطيف، رئيس اتحاد العمال بالمحافظة، وجود أى معوقات قانونية ضد تنفيذ المقترح، ويعتقد أنها تكمن فى تنظيم الباعة الجائلين لأنفسهم. ويؤكد عبداللطيف أهمية الفكرة، التى سبق وطرحها من قبل، ولا يزال يدعو إليها، خاصة مع التزايد الكبير فى أعدادهم وتأثيرهم الاقتصادى، ويقول: «طبقاً لقانون العمل والنقابات، يتم تصنيف الباعة الجائلين فئة العاملين، وبذلك لا تقتصر حقوقهم فقط على إنشاء رابطة أو جمعية تمثلهم، بل تمتد لتشمل إنشاء نقابة خاصة بهم»، ويرى أن الحل هو زيادة الوعى النقابى لديهم، ليتوجهوا إلى اللجنة النقابية للعاملين، فى النقابة العامة للتجارة، والتى لا تقتصر عضويتها على عمال الشركات، ولكنها تمتد للعمالة غير المنتظمة مثل العاملين بمهن السمكرة والنجارة وعمال البناء وغيرها.