ألقى الرئيس مبارك أمس الأول خطابا أمام الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى بعد «فوزه الكاسح» فى «انتخابات» مجلس الشعب الأخيرة، جاء فيه: «لقد أسعدنى كرئيس للحزب ما حققه مرشحونا من نجاح، لكننى، كرئيس لمصر، كنت أود لو حققت باقى الأحزاب نتائج أفضل». ويفهم من هذه الفقرة من الخطاب أن السيد الرئيس يميز بين دوره كرئيس للحزب الحاكم ودوره كرئيس للدولة. فبصفته رئيسا للحزب الفائز من الطبيعى أن يعبر عن شعوره بالسعادة، أما بصفته رئيسا لمصر فقد أفصح عن شعور بالأسف للنتائج الهزيلة التى حققتها أحزاب المعارضة، مؤكدا أنه كان يتمنى لها أن تحقق نتائج أفضل!. لكن المدقق فى بقية فقرات الخطاب سرعان ما يكتشف أن الخطوط الفاصلة بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب فى النظام السياسى المصرى هى خطوط وهمية، لا وجود لها على أرض الواقع، وأن الرئيس أدار الدولة فى فترة الانتخابات من موقعه كرئيس للحزب ووضع جميع إمكانات الدولة تحت تصرف الحزب لتمكينه من تحقيق هذا «الفوز الكاسح». ويكفى أن ندقق فى تفسير السيد الرئيس للأسباب التى أدت إلى هذا الفوز الكاسح للحزب الذى يرأسه، وللهزيمة المنكرة التى منيت بها الأحزاب الأخرى، لنصل إلى هذه النتيجة. فهو يقول فى الخطاب ذاته إن حزبه فاز «لأنه استعد جيدا لهذه الانتخابات، وقام بعمل تنظيمى جاد ومتجدد»، أما الأحزاب الأخرى فخسرت لأنها «أهدرت جهودها فى الجدل حول مقاطعة الانتخابات، ثم التوجه لخوضها والمشاركة فيها، ثم إعلان البعض الانسحاب منها، تشكيكا فى نتائجها». وهذه رؤية يمكن أن يتبناها رئيس لحزب وليس رئيسا لدولة، لأن من أولى واجبات رئيس الدولة، حين تدار انتخابات يشرف عليها بحكم ممارسته للسلطة، أن يكون محايدا تماما، وأن يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوى المتنافسة فيها، وأن يأمر بإجراء تحقيق مستقل إذا ما نما إلى علمه وقوع خلل يفسد هذه الانتخابات. واللافت للنظر أن الرئيس اعترف بوقوع تجاوزات، لكنه أرجعها إلى «سلوكيات سلبية من جانب بعض المرشحين ومؤيديهم، حاولت الافتئات على إرادة الناخبين باستخدام المال، واللجوء للعنف والترهيب». وبعد أن أدان هذا السلوك، أكد أن اللجنة العليا للانتخابات «قامت بدور مسؤول ومحايد»، وأن أجهزة الدولة تعاملت مع التجاوزات «بما يضمن سلامة الانتخابات والناخبين». من المؤكد أن الرئيس كون هذه الرؤية، شديدة الانحياز للحزب الذى يرأسه، بناء على تقارير صادرة من وزير الداخلية، العضو القيادى فى الحزب. ولو كان قد أمر، بصفته رئيسا للدولة، أجهزة الدولة بأن تعرض عليه تقارير كتبها مراقبون مستقلون من مؤسسات المجتمع المدنى المحلى، أو اطلع على تقارير كتبها ونشرها مراسلون أجانب، لأمر على الفور بإجراء تحقيق مستقل، بعيدا عن الحزب وعن أجهزة الدولة، ولتكونت لديه رؤية مغايرة تماما لما جرى. لذا يمكن أن نقول باطمئنان إن الرؤية التى استمعنا إليها فى خطاب السيد الرئيس تعكس وجهة نظر رئيس الحزب، وإننا مازلنا فى انتظار الاستماع إلى وجهة نظر رئيس الدولة. فلو كنت فى موقع الرئيس لشعرت بقلق عميق من تصرفات حزبه، الذى أدار العملية الانتخابية بطريقة أساءت كثيرا إلى سمعة مصر. لم ينس الرئيس فى كلمته أن يوجه الدعوة إلى الحزب الوطنى وباقى الأحزاب «للتمعن فى دروس هذه الانتخابات، بإيجابياتها وسلبياتها، دعما للتعددية وإثراء لحياتنا الحزبية والسياسية كهدف نلتزم به». واستجابة لهذه الدعوة الكريمة فقد تمعنا فى دروسها ودروس جميع الانتخابات التى نظمت تحت إشراف الحزب الحاكم منذ تأسيسه عام 1978 وحتى الآن، وخلصنا إلى نتيجة مفادها أنها كانت جميعا انتخابات مزورة، بدرجات وأساليب اختلفت من واحدة لأخرى، وأن كل انتخابات تجرى فى المستقبل ستزوّر طالما ظل رئيس الحزب الحاكم، الذى نشأ بقرار من رئيس الدولة وهو فى السلطة، يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب. نعم لقد فاز الحزب الوطنى فى هذه الانتخابات، لكن مصر كانت هى الخاسر الأكبر، وكانت خسارتها بالضربة القاضية.