مع نهاية ما سُمى الانتخابات، كان هناك توقع بحدوث تعديل أو تغيير وزارى، خاصة أن هناك ارتباطاً ما بين الانتخابات والتغيير الوزارى، ولكن بدأنا نسمع أنه لا يوجد إلزام دستورى بذلك، وإذا كان الأمل فى التغيير الديمقراطى قد تراجع بعد ما حدث فى الانتخابات.. فهل نفقد الأمل فى إصلاح السياسات وليس تغييرها بحيث تكون لمصلحة الأغلبية الفقيرة فعلا وليس مجرد شعارات وأقوال لا تنفذ؟! من المعروف أنه كثيرا ما يستخدم التغيير أو التعديل الوزارى لإلهاء الشعب وإعطائه فسحة من الأمل بأن التغيير فى الأشخاص سيؤدى إلى تحسين الأحوال، وتمضى وسائل الإعلام فى عرض خطط الوزراء الجدد لتحسين الأحوال وتنفيذ توجيهات الرئيس بالاهتمام بمحدودى الدخل، وبمضى الوقت لا يتغير شىء بل تزداد المشاكل تعقيداً. ولكن هناك وزارة شاغرة هى وزارة الاستثمار منذ استقالة وزيرها بعد عمله فى البنك الدولى، وبالتالى لابد من وجود وزير لإدارتها.. ولأنه لم يتم تعيين وزير لها بعد استقالة د. محمود محيى الدين، فلقد توقع الكثيرون أن التأجيل بسبب أن هناك تعديلا أو تغييرا وزاريا. ولأهمية وزارة الاستثمار لأنها تضم بقايا القطاع العام الذى جرى تمزيقه وخصخصته ثم إضعافه، ونظرا للتغييرات الاقتصادية سواء على المستوى العالمى أو المحلى والتى توضح للجميع أهمية القطاع العام المغضوب عليه من السادة حكامنا.. فلابد من التذكير بأهمية هذا القطاع وقدرته على علاج بعض من المشاكل التى نعانيها والتى فشل القطاع الخاص - رغم كل التسهيلات التى منحت له - فى إيجاد بعض الحلول لها، ومن ذلك مشكلة البطالة التى تزداد رغم كل الدعاوى بزيادة أعداد العاملين، فلدينا قاعدة من المصانع التى يمكن تطويرها بحيث تمتص جزءاً من البطالة وتسهم فى توفير السلع للمستهلكين الذين يضجون بالشكوى كل يوم من ارتفاع الأسعار، ولأنه لا يمكن أن يكون علاج نقص السلع هو المزيد من الاستيراد فلابد من الاهتمام بالإنتاج المحلى، وهناك قاعدة تقدر على ذلك ولكنها عاطلة. ومن المثير للتأمل ما حدث بعد تأكد خلو منصب الوزيرة فقد نُشر أن هناك ثلاثة احتمالات، أحدها تفكيك الوزارة وتوزيعها على وزارتى المالية والتجارة، وهو ما يثير التساؤل عن كيفية إنشاء الوزارات فى مصر، وهل تتم وفقا لاعتبارات شخصية كأن يراد مثلا توزير أحد الأشخاص ولا توجد له وزارة مناسبة فيتم إنشاء وزارة خصوصى له ثم عندما يتركها يتم إلغاء هذه الوزارة، أم أن الوزارة تنشأ لوظيفة محددة ويتناوب عليها الوزراء؟! ومن الأمور الغريبة أيضا ما نشر عن رفض وزير الصناعة والتجارة ضم شركات القطاع العام إلى وزارته، وكأن هذه الشركات مصيبة أو تهمة لا يريد أحد أن يكون مسؤولا عنها ويسعى للتنصل منها، وهو ما يوضح كيف يفكر رجال الحكم، وما هى نظرتهم إلى القطاع العام، فهم لا يريدون هذا القطاع ويرغبون فى التخلص منه.. وهى رؤية خاطئة بكل المقاييس، لأنه فى ظل تراكم وتزايد المشاكل التى تضرب كل جنبات المجتمع المصرى، وتحول الاقتصاد المصرى من اقتصاد منتج إلى اقتصاد ريعى، تقل فيه الصادرات ويتزايد عجز الميزان التجارى نتيجة اللجوء إلى الاستيراد.. كلما واجهتنا أزمة فى توفير السلع للعجز فى إنتاجها، وعدم قدرة أو عدم رغبة القطاع الخاص فى الاستثمار بالكم المطلوب فى القطاعات الإنتاجية والاكتفاء بالتجارة والاستيراد لما يحصل عليه من أرباح. فى ظل كل هذه المشاكل، يبرز دور القطاع العام، فمازال لدينا الكثير من الإمكانيات المهملة التى يمكن إعادة ترتيبها وتشغيلها بدلا من أن تكون عبئا على الموازنة، ويمكن أن تضيف للاقتصاد قليلاً من الاستثمارات وكثيراً من السياسات التى تتجاوز الدور الصغير والمهمش للقطاع العام.. فلماذا لا تتم الاستفادة من 325 ألف عامل فى 150 شركة بدلا من تركهم بلا عمل حقيقى تمهيدا للتخلص منهم بالمعاش المبكر.. ولماذا لا يعاد تشغيل هذه المصانع بدلا من إغلاقها تمهيدا لبيعها كما حدث فى النصر للسيارات وغيرها ولو بتغيير نوعية النشاط؟! لذلك نريد وزيرا لإنقاذ ما تبقى من القطاع العام ويمكن أن يساهم الشعب من خلال الاكتتاب فى أسهم لزيادة رأس المال لتطوير هذه المصانع، بشرط أن يتولى إدارتها متخصصون يتم اختيارهم بشفافية وليس كما يحدث الآن فى اختيار القيادات. [email protected]