إله عظيم! هذا كل ما أستطيع قوله. حينما خلق الكون هائل الاتساع، مُعجز الترتيب، بديع التنسيق، الجميل جدا، الرائع بقدر عظمة خالقه، فإنه - سبحانه وتعالى - وضع القوانين المحكمة التى تنظّم حركة هذا الكون. قوانين يحاول العلماء استكناه أسرارها، يعرفون أنهم على شاطئ السر الأعظم لم تبتل إلا أطراف أصابعهم. لكنهم يحلمون بالوصول إلى القانون الكلّى الذى يجمع القوانين الجزئية، من أجل فهم أفضل للكون. منذ أن جاء الإنسان إلى الكون وهو يحاول أن يستنطقه. يطرق بابه، يستجلى سره. يجلس فى مدرسته، يفتح كراسه، يفتح قلبه ومسام روحه، ينصت إلى لغته الخفية. أيها الكون العظيم، الرائع، اللامتناهى، المتسامى إلى أبعد أفق، أرشدنى إلى الحكمة. قل لى ما ينبغى وما لا ينبغى. حياتى قصيرة. قامتى قصيرة. فهّمنى كى أفهم. عرّفنى كى أعرف. أومئ إلى الطريق الذى يجب أن أسلكه فى رحلة حياتى القصيرة. عرف الإنسان الحكمة قبل أن يعرف العلم الحديث. كان الحكماء فى الصين والهند، وفى مصر القديمة، يلجأون إلى الصوم. يُطهّرون باطنهم بالعزلة، يفتحون مسامهم لأسرار الكون. يراقبون النجوم البعيدة ويتسلقون شعاع القمر، ويغوصون فى قلب الليل. وإذا هطل المطر، يقرأون النقوش التى دوّنها على تراب الأرض. يتأملون الكائنات الصديقة التى تعمر الكون. (وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم). لاحظوا أن الحيوانات تسير فى قطيع، ففهموا أن الاتحاد قوة والتشرذم ضعف. لاحظوا أن القطيع يقوده الأسد الشاب القوى، ففهموا أننا يجب أن نفسح الطريق للأجيال الجديدة، وأن التغيير من سنن الكون، والبقاء فى السلطة لمدد طويلة عكس ما تصنعه الطبيعة، والطبيعة دوما على حق. وجاء العلم الحديث ليُجلى ما كنا لا نعرفه فى الخلايا الدقيقة. اكتشف العلماء «الموت المبرمج للخلايا» (apoptosis). تتكون أجسادنا من بلايين الخلايا. هذه الخلايا لا تعيش عمرنا بالكامل. وحين تصل إلى مرحلة الهرم فإنها تقرر أن تموت. تفعل ذلك طواعية، تُفكّك نفسها بنفسها، بطريقة ناعمة راقية، فقط تنطوى وتنكمش، حتى تأكلها الخلايا اللاقمة ويستفيد الجسم من مكوناتها. كان بوسعها حين تفارق الحياة أن تنفجر وتُخرج ما بداخلها من المواد الحارقة، التى تؤذى جيرانها. كان يمكنها أن تتمثل بقول الشاعر: «إذا بتُّ ظمآناً فلا نزل القطر»، أو تحذو صنيع الحكام المتشبثين بالحُكم إلى آخر نفس. والمدهش الذى يحمل ألف دلالة أنه إذا نجت الخلية من المصير الطبيعى للفناء يحدث السرطان!! لكن الخلايا الحكيمة التى تطيع أمر إله حكيم، تومئ لنا إلى الطريق الذى يجب أن نسلكه فى حياتنا، تقول لنا: «عش أيامك فى سرور ورضا. فإذا ذهب زمانك فتنحَّ طواعية، فإن لم يحدث فإنه السرطان. واعلم أنها لن تدوم لك. لو دامت لغيرك ما وصلت إليك».