ربما ينجح الهروب من مواجهة أى مشكلة فى تأجيلها لبعض الوقت، لكنه لن يؤدى بالقطع إلى حلها، وربما يؤدى، على العكس، إلى تفاقمها واستعصائها. ومع ذلك فهناك، لسوء الحظ، من يحاول إقناعنا بأن أهم مشكلة تعانى منها مصر الآن تكمن فى وجود رجل طامع فى مقعد الرئاسة، اسمه محمد البرادعى، بدأ يمارس، من وجهة نظرهم، تصرفات غير مسؤولة، مثل زيارة المساجد والكنائس والمدن الكبرى، من شأنها إثارة البلبلة وتعريض أمن البلاد للفوضى وعدم الاستقرار. وينطوى هذا الطرح، فى تقديرى، على هروب من أصل المشكلة وجذرها، بل وعلى محاولة متعمدة لقلب الحقائق رأسا على عقب، وذلك لسبب بسيط وهو أنه يتعامل مع «ظاهرة البرادعى» وكأنها مرض يتعين علاجه بالاستئصال والقمع طبعا، وليس عَرَضا لمرض يراد إخفاؤه أو التغطية عليه وصرف الأنظار عنه. ويكمن المرض الذى تعانى مصر منه، ويكاد يعرضها لحالة موت سريرى مفاجئ، فى حالة عدم اليقين التى تتسم بها الحياة السياسية فيها. فالحاكم الذى يمسك بالدفة رسميا تجاوز الثمانين من عمره، ويقضى معظم أوقاته خارج العاصمة، وليس له نائب، وخضع مؤخرا لعملية جراحية لا أحد يعلم عن حقيقتها شيئا، على الرغم أنها غيبته عن العمل لأسابيع طويلة. أما دفة الحكم الفعلية فتمسك بها مجموعة صغيرة لا أحد يعرف بالضبط من هى، أغلبهم من رجال الأعمال، يقودها مبارك الابن. وفى غياب آلية واضحة لتداول السلطة بالطرق السلمية، أى عبر انتخابات حرة نزيهة وشفافة، تسمح بمنافسة حقيقية بين من يجدون لديهم الكفاءة والرغبة فى قيادة العمل العام، أصبح الخيار محصورا بين التجديد للحاكم الأب، وهو أمر باتت تحيط به شكوك كثيرة فى ظل أوضاعه الصحية الراهنة، أو تنصيب الحاكم الابن، ولكن عبر عملية يعلم الجميع أنها لن تكون ديمقراطية ولن تتوافر فيها الحدود الدنيا المقبولة من ضمانات النزاهة أو الشفافية. هذه الحالة من الفراغ السياسى وعدم اليقين هى التى ساعدت على وجود ظاهرة تعكس شوق مصر الجماعى للتغيير، بصرف النظر عن اسم الرمز القادر على تجسيده. وإذا كانت هذه الظاهرة تحمل اسم البرادعى الآن، فإنها مرشحة للاستمرار، وستتواصل مع البرادعى أو دونه. ذكرت أجهزة الإعلام أن الرئيس تحدث تليفونيا إلى القادة العرب ليشكرهم على سؤالهم عنه، وكان الأولى أن يكون حديثه الأول موجهاً لشعبه الذى التف حوله أثناء مرضه، لكننى أتمنى أن يكون الآن فى وضع يسمح له بمخاطبة شعبه من فوق منبر مجلس الشعب ليطمئنه على مستقبله، الذى أصبح مرهونا بما سيجرى فى الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. وأظن أن بوسع الرئيس أن يزيح أطنانا من القلق الجاثم على صدر شعبه لو أنه استجاب للتعديلات الدستورية التى يطالب بها. وأعتقد مخلصا أن تلك أجمل هدية يمكن أن يقدمها الرئيس لشعبه فى مناسبة كهذه، لأنها ستجنب مصر الكثير والكثير جدا من شرور، نرجو من الله أن يقيها منها.