قدم المخرج السينمائي المصري هشام عيسوي فيلمه الأمريكي الشرق الأمريكي ضمن قائمة الأفلام المثيرة للجدل والمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي من إنتاج أفلام زهرة بزعم أنها شركة لبنانية وبتمويل لبناني كقناع يخفي خلفه رسالة تطبيعية خطيرة يمررها ضمنياً بهدوء من خلال نهاية تلفيقية تفترض وجود عرب مسلمون مصريون يقبلون بالتعايش مع الأخر اليهودي الأمريكي ويقبلون به شريكاً في مؤسسة تجارية ، وهذا ما يسعى إليه اليهود منذ سنوات وقد نجحوا في تحقيقه ، ولكن ليس معنى ذلك أننا نؤيد ذلك التعاون المفروض علينا وأن نقدمه في فنوننا باعتباره النموذج المثالي للحياة التي يجب علينا الاحتذاء بها . يبدأ الفيلم بتتر شرقي اللحن لناي ، وتفاجئنا اللقطة الأولى بضربة لبطل الفيلم (مصطفى) على المنبه الرقمي بحجرة نومه بلونه الأحمر المضيء في إشارة مبكرة تشكل حسن استهلال يدل على أهمية أو خطورة التوقيت. وينتقل المخرج إلى دور الإعلام في تشويه الموقف العربي والإسلامي في أمريكا في محاولة منه لتوضيح صورة العرب والمسلمون للمجتمع الأمريكي في مواجهة للحملات الإعلامية الموجهة التي تطيح بالقيم الإسلامية ، وتختصرها في عصبة من الإرهابيين والجهلاء ، يذبحون الأبرياء ويروعون الآمنين ، وذلك دور إيجابي يحسب للفيلم في اقتحامه للصمت العربي تجاه حملات الإعلام الغربي الذي بات أشبه بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى ، وحملات الماكرثية التي أصابت المجتمع الأمريكي بفوبيا الماركسية للدرجة التي يعدمون كل من يشار إليه مجرد إشارة بأنه شيوعي . والفيلم يقدم نموذجاً من حياة عرب ومصريون في أمريكا من خلال "مقهى حبيبي" كل ما فيه مصري خالص من المأكولات المصرية إلى الشيشة إلى التليفزيون ولقطات من الأفلام القديمة إلى صورة معلقة على الحائط لفنانين ومشاهير ، إلى جهاز التكييف الصحراوي والمروحة . وهو يدعو إلى تعايش سلمي بين البشر في أمريكا بلا تمييز ديني أو سياسي ، وعبر المخرج عن ذلك عبر عدد من اللقطات تشير للافتة مكتوب عليها أن "الموقف السياسي غير مطلوب هنا في هذه المؤسسة" . واتضحت الرؤية الانفتاحية تلك من تعامل مصطفى صاحب المقهى مع كافة الجهات أو الأشخاص بغض النظر عن دياناتهم أو جنسياتهم ، وإنما المال هو المحك . والفيلم يحاول تغيير اضطهاد الغرب للمسلمين والعرب ، وتعديل النظرة للآخر لتنبني على المصلحة والتعاون . ومن ناحية أخرى يبرز الفيلم دور (عمر) الممثل العربي الشهير الذي يلعب دوراً مهماً في تمثيل أدوار الإرهابيين العرب ليتحول بعد ذلك إلى رفض ذلك الدور المصطنع بشدة والتحول من أبرز مؤدٍ للأدوار الإرهابية إلى مدافع عن العرب الأمر الذي يتحول إلى مشادة بينه وبين المخرج تنتهي بشجار تنطلق على إثره طلقة رصاص تجاه أحد أفراد الأمن ليجد عمر نفسه إرهابي حقيقي يحتجز رهائن ولا تفلح محاولة عميل المباحث الفيدرالية اللطيف في إنقاذه مما أورط نفسه فيه ليموت برصاصة في منتصف الجبهة من قناص في الجهة الأخرى دون أن يعطيه الفرصة لتبرير موقفه. فالإرهاب هنا متبادل . وأكاد أجزم بأن تسمية الممثل العربي باسم (عمر) هنا مقصود بها الإشارة إلى النجم المصري (عمر الشريف) الذي أصبح نجماً عالمياً ولم يلتفت إلى طبيعة الأفلام التي يقدمها ، وتمت الاستعانة به في أكبر الأفلام في العالم دون الاعتداد بكونه عربي. ويستعرض الفيلم تاريخ الصراع الديني عبر العصور منذ نشأة الإسلام والحروب الصليبية وأخيراً تقسيم المنطقة العربية تقسيماً طائفياً (لسايكس بيكو) بحيث تشتمل كل رقعة أو دولة على تشكيلة أديان وأعراق مختلفة تبقيها في تنازع مستمر ، تتقاتل بعضها بعضاً ومن ثم لا يتبقى منها من تقوم له قائمة يواجه بها الخارج على طريقة المثل (فرّق تسُدْ) ثم التنازع على النفط بعد ظهوره في الجزيرة العربية، في مشهد كاريكاتيري كرتوني جميل مع تعليق من إحدى الفتيات لزميلتها أثناء تعاطيهما المخدرات في إشارة موجهة نحو ضرورة نسيان الماضي وطمس الهوية والتاريخ الصراعي العربي الصهيوني أثناء جلسة تدخين الحشيش. وفي صراحة متناهية يزاوج الفيلم أثناء عرضه لقضية الأرض وضرورة الحفاظ على الأرض وضرورة استرداها فمن العار على العربي أن يفرط في أرضه يزاوج الفيلم بين من يطالب باسترداد أرضه (الفلسطينيين) وبين الإرهابيين فكلاهما يقوم بعمل إرهابي ، وذلك بكل تأكيد مرفوض بشدة أيضاً. وتتضح نقاط الخلاف والتباين على الصعيد العاطفي من خلال تجاوب الفتاة الأمريكية مع (عمر) الممثل العربي في أمريكا بينما تتردد (سلوى) الممرضة والكوافيرة في نفس الوقت - أخت مصطفى صاحب (مقهي حبيبي) الذي يرمز للوطن المفتقد تتردد في التجاوب مع الطبيب الأمريكي زميلها في المستشفى ، كما تصد محاولات (صابر) المصري ابن عم مصطفى ، الذي هو جاف وتقليدي جداً في آرائه وتصرفاته ، ولا يجد متنفساً أمامه بعد صدها له سوى الالتهاء في تدخين الشيشة والفرجة على الراقصات في تليفزيون المقهى . كما يناقش الفيلم أيضاً تعدد الأراء حول مسألة المرأة العاملة ، والنظرة الشرقية للمرأة وطبيعة عملها من خلال مداولات على عمل سلوى أخت مصطفى ككوافيرة إلى جانب عملها كممرضة ، ولا يخفي الفيلم وجهة نظر متميزة في طبيعة الوظيفة ، فالفتاة الشرقية سلوى تعمل كوافيرة وهي ملتزمة بالواجبات والقواعد بينما فرطت في شرفها نسبياً من خلال علاقة نص حميمية مع الطبيب زميلها في المستشفى ليؤكد الفيلم على أن لا دور للوظيفة في الرفعة أو المكانة التي يحوزها صاحبها ، فكم من وظيفة شريفة لا تمارس بشرف وكم من مهنة وضيعة ولا يحدث فيها ما يخل بالشرف والكرامة . ويزاوج المونتاج المتوازي بين تعرض (عمر) للغدر وقتله غيلة وبين تفريط سلوى في شرفها بإرادتها اندفاعاً وراء الحب مع طبيب مسيحي في دعوة لإزالة الفوارق الدينية على الصعيد العاطفي. كما يبرر الفيلم موقفاً تطبيعياً آخر على الصعيد العاطفي في مفارقة كوميدية بين عربي عابث واليهودي (سام) رجل الأعمال في حوارية قصيرة يبرر فيها الشاب جواز معاشرته لأي فتاة وبخاصة اليهودية استناداً إلى السلام المأمول ودفاعاً عنه. ولا يخلو الفيلم من لقطات جمالية تشكل علامات ميتاسينمائية تفسر جملة من المواقف والأحداث المستقبلية التي يكشف عنها تطور الحدث في الفيلم مثل نقاط المياه التي تتسرب من ماسورة المياه في (مقهى حبيبي) أي الوطن ، أو جهاز التكييف الصحراوي الذي اشتهرت به المناطق الصحراوية وبخاصة الخليج العربي ، والمحاولات الفاشلة إصلاح هذه الأشياء ، والتي تشير بعمق إلى فشل محاولات إصلاح الوطن أو تجميله ، فماؤه قذر ، وهواؤه أيضاً غير طبيعي بل مصنوع ومقزز ولابد من تركه والبحث عن مكان آخر تصنع فيه الشراكة مع اليهود ليتم النجاح . وتلك إشارة أخرى تصب في المغزى الخفي الذي يسعى الفيلم لتمريره في الخفاء وهو نفض الديانات ومن ثم نفض رسوبيات الثقافة الوطنية والتراثية ، أي نفي الهوية وبترها ، وهذا هدف صهيوني آخر دون جدال . والفيلم في مجمله يشكل قيمة عالية فنياً ورسالة تطبيعية خفية مضموناً.