شهد عام 2013 تشبيه البعض لشخصيات صعد اسمها إلى الساحة السياسية في مصر بغيرها من الشخصيات التاريخية أو العالمية، التي فارقت الحياة، فأنصار الجيش يرفعون صورة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، مقترنة بصورة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ومعها شعارات «الجيش والشعب إيد واحدة». وأطلقت الناشطة اليمنية، توكل كرمان، على الرئيس المعزول محمد مرسي لقب «مانديلا العرب»، بينما سمته القيادية بحزب الحرية والعدالة، عزة الجرف المعروفة باسم «أم أيمن» ب«الزعيم محمد مرسي مانديلا العرب والمسلمين». وتظل الصورة، التي تداولها مستخدمو «فيس بوك» للبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية، وياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية هي الأشهر والأكثر طرافة هذا العام. فبعد تنصيب «البابا تواضروس» على كرسي البابوية في 3 نوفمبر 2012، انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل وجهه مع «برهامي»، في إشارة إلى التشابه الكبير بين ملامح رجلي الدعوة الدينية، الذي ركزت عليه التعقيبات، آنذاك، وهو التشابه الذي، يمتد أيضًا للعديد من الجوانب الحياتية، التي التقى فيها الشخصان بقدر ما افترقا. في البداية ينتمي رجلا الدعوة الدينية إلى حقبة ميلادية واحدة، فكلاهما من مواليد العقد السادس من القرن العشرين، وكلاهما اختار حقلًا دراسيًا واحدًا من جامعة مصرية واحدة، حيث ولد «برهامي» في البحيرة عام 1958، بينما سبقه «البابا تواضروس» في الميلاد ب6 أعوام في المنصورة، وبالتحديد في 3 نوفمبر 1952. والتحق كلاهما بإحدى الكليات العلمية، إذ التحق «برهامي» بكلية طب الإسكندرية، وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة، عام 1982، ثم على ماجستير طب الأطفال، عام 1992، فيما التحق «باسم وجيه صبحي» أو «البابا تواضروس»، بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية، وحصل على بكالوريوس الصيدلة منها في يونيو 1975. وبعدها نال «البابا تواضروس» زمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا في يونيو 1985، وعمل مديرًا لمصنع أدوية بدمنهور بوزارة الصحة، قبل الرهبنة، كما حصل على بكالوريوس الكلية الإكليركية، في نوفمبر 1983. لكن توقيت انضمام الشخصيتين للدعوة الدينية كان مختلفًا، فقد كانت بدايات «برهامي» في الحقل الدعوي مبكرة عن «البابا تواضروس». بدأ «برهامي» العمل الدعوي وطلب العلم الشرعي، منذ المرحلة الثانوية، وشارك في العديد من المجالات الدعوية بداية من تأسيس «معهد إعداد الدعاة» للمدرسة السلفية العلمية والتدريس فيه، حيث قام بتدريس مادتي «التوحيد» و«أصول الدعوة»، حتى تم إيقافه من قبل الدولة، عام 1994. وتقدم إلى الأزهر الشريف ليحصل منه على ليسانس الشريعة الإسلامية، عام 1999، ليصبح نائبًا لرئيس أمناء الدعوة السلفية، في يوليو 2011، وزعيمًا روحيًا لحزب النور السلفي، الذي تأسس في العام نفسه. في المقابل، لم يتجه «البابا تواضروس» للدير إلا في أواخر 1986، حيث ذهب إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون في 20 أغسطس 1986، وترهبن في 31 يوليو 1988، وتم ترسيمه قسًا في 23 ديسمبر 1989، وبعدها انتقل للخدمة الكنسية بمحافظة البحيرة في 15 فبراير 1990، حتى نال درجة الأسقفية فى 15 يونيو1997. وحصل على تزكيات من الأنبا دميان، أسقف ألمانيا، والأنبا سوريال، أسقف ملبورن، والأنبا مكاريوس رئيس دير السريان، والأنبا باخوم، أسقف سوهاج، والأنبا أنداروس، أسقف أبوتيج، حتى تم اختياره عن طريق القرعة الهيكلية ليصبح بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رقم 118، في 4 نوفمبر 2012. وعلى الصعيد السياسي، فقد كان الاختلاف بينهما كبيرًا، إذ كان نصيب «برهامي» أكبر وأكثر طموحًا في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، أثناء كتابة دستور 2012، وأثار الجدل فيما يتعلق بالمادة المفسرة للشريعة الإسلامية وهوية الدولة، واستنكر في تصريحات له إحالة الأمر للمحكمة الدستورية العليا لتحكم هي في تفسير الشريعة الإسلامية، مشددًا على ضرورة أن يضطلع الأزهر بتفسيرها، ومتهمًا المحكمة الدستورية ب«العلمانية» وعدم أهليتها لذلك، بينما لم يخرج «البابا تواضروس» بتصريحات مقابلة، واكتفت الكنيسة بالانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور، ليخرج بعدها واصفًا فترة حكم مرسي ب«الأكثر إحباطًا» بعد «أحداث الخصوص». ومع أحداث 30 يونيو 2013، توافقت مواقف الشخصيتين، إذ صرح «برهامي» قبيل الأحداث أنه سوف يطلب من مرسى تقديم استقالته إذا تجاوز عدد المطالبين بإسقاطه عدد هؤلاء الذين انتخبوه، واعتبر ذلك أمرًا دستوريًا، وهو الأمر، الذي فجر حالة من الغضب والاستياء بين عدد من شيوخ الدعوة السلفية، الذين شنوا هجومًا شديدًا وطالبوا بإقالته من منصبه كنائب لرئيس الدعوة. وعقب «بيان العزل»، بارك «برهامي» تدخل المؤسسة العسكرية، وأثنى على «السيسي»، معتبرًا أن «30 يونيو ليست انقلابًا، وأن الفريق أول عبدالفتاح السيسي من أسرة متدينة بالقدر الذي يجعله يخشى على دماء المصريين من الإراقة». وظهر «البابا تواضروس» في مشهد العزل ملقيًا كلمة أعرب فيها عن تأييده ل«خارطة المستقبل»، التي أعلنها «السيسي»، مؤكدًا مساهمته فيها وتوافقه عليها ل«ضمان سلامة كل المصريين، دون إقصاء أو استبعاد». وعادت مواقفهما للافتراق مرة أخرى مع تشكيل «لجنة ال50» وصياغة الدستور الجديد، إذ ظلت مواد الهوية سببًا دائمًا للاختلاف، بل وظهرت بعض التسريبات، التي أشارت لشكوى ممثلي الكنيسة مما وصفوه ب«انتهاكات» مارسها حزب النور السلفي داخل اللجنة المعنية بالمواد المتعلقة بالهوية فى الدستور. وتشير أحداث الماضي والحاضر إلى أن تشبيه البعض ل«البابا تواضرس وبرهامي» لم يكن مجرد «دعابة»، إذ جمع القدر بين مصيري الرجلين في مواقف، لتفرقهما مواقف أخرى، وليظل «برهامي» الأكثر إثارة للجدل على الساحة السياسية، فيما يسير «البابا تواضرس» على نفس نهج سابقيه ممن جلسوا على كرسى البابوية من التزام الهدوء والتحفظ في المواقف السياسية.