23 عاماً هى عمر جائزة البابطين التى بدأت بمبادرة تطوعية، جاوزت خلالها هدفها الذى اقتصر على الشعر فى البداية، لتمتد بالنفع الثقافى والمعرفى والدينى على العالمين الإسلامى والعربى، وقد استحدثت المؤسسة تخصيص جائزة تمنح كل دورة لشخصية بارزة تلعب دوراً مهماً فى التعايش بين الثقافات والأديان، ومد جسور الحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات، وكان الاختيار الأول قد وقع على الأمير تشارلز، ولى عهد بريطانيا، الذى كرس جهده لاحترام التنوع الثقافى والحضارى وإرساء ثقافة الحوار والدفاع عن الأقليات. وخلال هذه الدورة طبعت المؤسسة مجموعة من الكتب الأدبية البوسنية، كما تم نشر الأعمال الكاملة لخليل مطران، فضلاً عن كتاب الدكتور أحمد دوريش عن حياة وإبداع مطران، إضافة إلى كتاب ضم وثائق وصوراً نادرة ل«مطران» أعده عمر حاذق. ومنذ أن أسسها البابطين للإبداع الشعرى فى القاهرة 1989، تكون قد انعقدت اثنتا عشرة دورة، وكانت الدورات الثلاث الأولى للجائزة قد عقدت بالقاهرة على مدى ثلاث سنوات منذ 1990 حتى 1992ومنذ الدورة الثالثة دأبت المؤسسة على أن تحمل الدورات التالية اسم شاعر من الشعراء الرواد. وبدءاً من الدورة العاشرة تأكدت عالمية المؤسسة، فيما يمكن وصفه بحوار الثقافات، واختير لكل دورة اسم شاعرين رائدين أحدهما عربى والآخر أجنبى، حيث حملت الدورة اسم أمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر الفرنسى لامارتين، وعقدت فى باريس عام 2006. وعقدت أحدث هذه الدورات فى سراييفو عاصمة البوسنة، قبل أيام، وتحديداً مع مرور الذكرى السابعة لرحيل الرئيس البوسنى على عزت بيجوفيتش فى السابع عشر من أكتوبر 2003، وهى الدولة التى أنجبت إيفو أندريتش صاحب رواية «جسر على نهر درينا» الحاصل على جائزة نوبل 1961، وحملت هذه الدورة اسم الشاعر العربى خليل مطران والشاعر البوسنى ماك دزدار، ولم تقتصر الدورة على مجرد حوار الثقافات، وتجاوزته لما يمكن تسميته تجاور وتحاور الثقافات والأديان، وتداخل فيها الشأن الشعرى مع السياسى، فقد عقدت على خلفية سياسية، وتقاطعت مع فكرة حوار الأديان والثقافات، وتوج حضورها الكثيف شخصيات عربية وعالمية بارزة، منهم الدكتور يوسف القرضاوى والدكتور أحمد عمر هاشم وعمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، وعمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامى فى العراق، وممثل رئيس وزراء الكويت المستشار راشد الحماد، وممثلون عن طوائف دينية لبنانية، وممثل للفاتيكان. وعقدت الجلسة الافتتاحية فى الحادية عشرة صباحاً وأدارها عبدالعزيز السريع، وفى كلمته قال رئيس ومؤسس الجائزة عبدالعزيز سعود البابطين «إن من جميل المصادفات أن شهر أكتوبر الذى تعقد فيه الدورة شهد خمسة أيام جمعة وخمسة أيام سبت وخمسة أيام أحد، فاجتمعت بذلك أيام البركة للمسلمين والمسيحيين واليهود معاً، وهذه مصادفة لم تحدث منذ 823 عاماً، وإن من حظ هذه الدورة أن تشهد هذا التوافق المدهش، مما يدعونا للتأمل فى المعنى الأعلى لهذا التوافق، حيث تدعو كل الديانات إلى المحبة والتراحم والمودة»، ووجه البابطين التحية لأهل البوسنة بكل دياناتهم. ثم ألقى الرئيس البوسنى حارث سيلايجيتش كلمة باللغة البوسنية أتبعها بكلمة ألقاها باللغة العربية الفصحى السليمة والبليغة، أكد فيها أهمية لقاء الثقافات فى زمن العولمة، وقال «إن البوسنة والهرسك بلد تعددى أصيل، وهذه التعددية للأسف الشديد استهدفها الاعتداء بين عامى 1992 و1995، وهذا النموذج الأصيل والقديم يكاد يموت فى أوروبا التى تتحدث عن التعددية والديمقراطية، وأزعم أن التعددية فى أوروبا تعيش أزمة». ثم جاءت كلمة ممثل رئيس وزراء الكويت، الذى أشار إلى فشل المحاولات التى أرادت النيل من تعدد الديانات والقوميات فى البوسنة، وقال إن اجتماع هذا العدد الضخم من نخب كل الدول، إنما هو تعبير عن إمكانية تجاور كل هذا التعدد على نحو يدعو للأمل والتفاؤل. وأعرب عمرو موسى عن سعادته بالمشاركة فى هذه الاحتفالية، وأشار إلى أن سراييفو تمثل نقطة التقاء بين ثقافتى الشرق والغرب فى عصرنا الذى يغطيه ضباب العلاقة المهتزة بين الحضارات والتعصب المتنامى ضد المسلمين فى عدد من المجتمعات الغربية. وأكد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق، خلال كلمته، حاجتنا إلى الحوار الحضارى من خلال الاحتفال بشاعرين عاش كل منهما فى بيئة دينية مختلفة عن عقيدته، الشاعر العربى المسيحى خليل مطران، والشاعر البوسنى المسلم ماك دزدار. وقال الحكيم إن الصراع يلغى الآخر، وبالحوار يمكن أن يتحقق التعايش لخدمة الإنسانية، التى أتعبتها الحروب والإبادة، وقياساً على الحالة العراقية، أشار الحكيم إلى ضرورة الحوار كخيار أساسى للخروج بالعراق من أزمته لتحقيق الشراكة الوطنية. وقد شهدت فعاليات اليوم الأول «حوار الحضارات» ندوتين من الساعة الثانية وحتى الثامنة مساء واختتمت فعاليات هذا اليوم بحفل غنائى للفنانة غادة شبير. وتضمنت فعاليات اليوم الثانى ندوة أدبية وأمسية شعرية، فيما شهد اليوم الثالث ثلاث ندوات أعقبها عرض فلكلورى بوسنى. وجاءت ندوة اليوم الأول فى سباق حوار الحضارات تحت عنوان «نظام عالمى مختلف: التباين والانسجام»، وشهدت الندوة جلسات تحت عنوان «نحو مقاربة جديدة لأطروحة صراع الحضارات» وتحدث فيها الدكتور عبدالله ولد أباه والدكتور فنسنزو سكوكى، فيما جاءت الثانية تحت عنوان «الولاياتالمتحدة وحوار الحضارات فى مرحلة مختلفة»، وتحدث فيها الدكتور مسعد بن طفلة والدكتور جون داونى. أما الجلسة الثالثة فجاءت تحت عنوان «مجلس الأمن وحوار الحضارات» وتحدث فيها الدكتور مازن غرايبة والدكتور آمنت كمال باشا، فيما كانت الجلسة الرابعة تحت عنوان «البعد الثقافى فى حوار الحضارات» تحدث فيها الدكتور مصطفى إماموفيتش والدكتورة نادية مصطفى، وشهد اليوم التالى المحور الأساسى للدورة وهو عن الشاعر البوسنى ماك دزدار، فيما كان المحور الرئيسى لجلسات اليوم الثالث حول خليل مطران. أما الجلسة الثانية لليوم الثالث فجاءت تجسيداً لمعنى حوار الثقافات بين الثقافة العربية والبوسنية تحت عنوان «المؤثرات العربية والإسلامية فى الشعر البوسنى الحديث»، وتحت عنوان «التواصل الثقافى للبوسنة مع الشرق فى القرن العشرين» كانت هناك ورقتان بحثيتان لإسماعيل أبو البندورة، وفكرت كارتيتش، وقد جاءت الجلسة الرابعة تحت عنوان «دور الاستشراق البوسنوى فى التعريف بالأدب العربى».