كثيرة هي أوجاع الروح فمنذ بدء الخليقة والعلاقة بين الرجل والمرأة تمثل هما كبيراً. فقد نشبت الحروب دفاعاً عن الحب وأنتحر الكثيرون فداءً للحب، ومع تزاحم المدنية وإنتشار المشكلات الإقتصادية وتجاذب أقطاب المجتمع نحو المادة بحثاً عن لقمة العيش؛ استوحش السلوك وأنهارت أرفع القيم في بئر الرذيلة، حتى أصبح الفرد يتلقى أعظم القيم وأسماها من أقبح الأفعال وأدناها. وتحولت حياتنا إلى النفعية البحتة ليضيع وسط هذا الصخب حلم الفتاة الرقيق بالعش البسيط . وأصطدم حلم شاب في مطلع رشده بالدناءة والإنتهازية لتطال أسمى العلاقات الإنسانية وأقدسها، بين المرء وزوجه، فلا يكاد يحلم حتى تطحنه جرعة مادية نفعية تجعل منه آلة للشهوة دون غيرها من القيم النبيلة، ومع تزايد أزمة العيش وضغوط الحياة، والمسرح أحد أهم أبواق الدعاية للفكر الإجتماعي، فقد تناول تلك العلاقة السامية في ترديها وإنحدارها عبر عدد من النصوص المسرحية التي أصبحت تياراً واضحاً يعبر عن أزمة العلاقة الزوجية في وجهيها (الرجل/المرأة – المرأة/الرجل) ويستعرض أزماتها ومحاولات الخلاص. وفي هذا الإطار تتوالى كتابات رشا عبد المنعم النسويّة في محاولة لكشف حقيقة ما وصلت إليه حال العلاقة الزوجية والتي تظهر هنا في "الطريقة المضمونة للتخلص من البقع" تلك التجربة التي تصوّر المرأة فستاناً وقد امتلأ بالبقع العفنة، وهي آثار نفسية خلّفها جبروت الرجل وإستغلاله الجنسي لها في برود مقزز عبر مراحل نفسية متعددة ومتتابعة أشارت إليه الكاتبة بالفساتين المتعددة الألوان بدءاً بالأزرق فالأحمر فالأخضر وإنتهاء بالأبيض. وكلها مراحل تمر بها المرأة في علاقتها بالرجل بين الرغبة والكآبة فالنقاء، لينتهي بها الحال بإلقاء ملابسه كناية عنه وغسلها بالمطهرات في بانيو. ولعل المعادل الموضوعي للنص يتلخص في مقولة : " المشكلة هي المرأة وطريقة معاملة المرأة في دول العالم الثالث". وتنتهي مراحلها بالفستان الأبيض الذي بالضرورة لم يعجبه لإرتباطه تراثياً بفستان الزفاف والتطهر من الدنس والخلاص من البقع والكفن فيما قبل الرحيل . جاءت معالجة المخرج الشاب هاني عفيفي لهذه القضية تحت عنوان "أكثر بياضاً "، التي تعرض حالياً بمسرح مركز الإبداع الفني، متبنية معادلاً موضوعيا عصرياً، حيث قدم فساتين الزوجة أي مراحل حياتها في شكل عرض أزياء يخطو عليه (الرجل/الزوج) مستعرضاً (مراحل الحياة / الفساتين) بأسلوب كاريكاتيري تهكمي، وهو يخطو على أرضية مستطيلة تحدها من الجانبين وحدات قياس كتلك التي تحد المسطرة لتشير تلك الرؤية السينوغرافية إلى المقاييس التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة والإطار الذي يجب أن تظهر فيه في عينيه . أعتمدت الرؤية التشكيلية على منصات متعددة متجاورة تتراوح بين المرتفع والمنخفض اكتست كل منها بلون مغاير، وعلى ما تمثله تلك المنصات من أبعاد جمالية ما بين تعدد وتنويع؛ إلا أنها ساهمت كثيراً في إضعاف الحركة المسرحية التي جاءت شبه معدومة باستثناء حركة (الزوج/الرجل) على (المنصة/المسطرة) الخاصة بعرض الأزياء (ديفيليه)، بينما اتسم أداء الممثلة بالضعف، ولم يستطع صوتها التعبير بعمق عن مشكلة (الزوجة/المرأة). كما أعتمدت الرؤية شاشتي فيديو خلفيتين بينهما ساعة بدون عقارب تشير لتوقف الزمن بينهما، تعرض الشاشة اليمنى الزوجة في نهاية عمرها، عجوز تلعب الشطرنج مع نفسها وتضع الروج وتشرب الشاي وتحل الكلمات المتقاطعة وتتعثر في كرسي العجائز، والصغيرة على اليسار تتباهى بجمالها راقصة وتتحاور على الإنترنت عبر كومبيوتر محمول وتضع المكياج. لم يسلم العرض من حشر للإفيهات حشراً - على طريقة الباحث الذي يكتب خلاصة أفكاره البحثية ثم يبدأ في حشر مراجع مناسبة تدعم كلامه- وسط الجو النفسي الكئيب الذي يطرحه مضمون النص في شكل فواصل ترفيهية من خلال عروض أزياء قدمها الزوج الفنان الصاعد هشام اسماعيل، كما أعتمد العرض الأسلوب الطبيعي في استخدام مياه حقيقية وأكسسوارات ومتعلقات حقيقية من الحياة اليومية. وهنا كان العرض محاولة لتقديم صورة تشكيلية جمالية عن علاقة الرجل والمرأة، لكنه لم يستطع الغوص في أعماق هذه العلاقة لضعف أداء الممثلة، وإنعدام الحركة المسرحية، وكثرة الإفيهات التي أخرجت العرض عن فكرته الرئيسية.