مبدئياً.. ليس بينى وبين المهندس أحمد عز خلاف.. وإنما بيننا اختلاف بحجم مناجم الحديد فى العالم كله.. اختلاف فى الرأى يفسد غالباً للود قضية.. اختلاف فى الطريق.. هو ذاهب إلى حيث يريد.. وأنا أمشى طريقاً يراه هو ضد المصلحة.. مصلحة من؟! لا يهم.. المصلحة فى بطن أحمد عز.. اختلاف فى العين والنظرة والرؤية والرؤيا.. هو يرى أن مصر تتحسن، وتقفز نحو أفق بلا حدود، وأن نصف الكوب المملوء يوشك أن يفيض ويملأ البلد خيراً ورفاهية.. وأنا أظن - وبعض الظن إثم وخيانة فى نظر عز - أن أغلب المواطنين لم تبتل عروقهم من «كوب عز».. وأن الحزب الوطنى وحكوماته أضاعوا على مصر فرصاً ذهبية لتصبح مثل ماليزيا والبرازيل وإندونيسيا وكوريا الجنوبية.. إن لم يكن أفضل..! سيظل الاختلاف بينى وبين عز إلى أن أبصم على استمارة عضوية الحزب الوطنى، وأعمل تحت قيادته فى أمانة التنظيم، أو يترك هو الحزب ومصانع الحديد، وينزل إلى الشارع بدون «اللاب توب».. و«لاب توب» أحمد عز له قصص وحكايات شهيرة فى الوسط السياسى، إذ يعتقد الرجل أن البلد يمكن أن يدار بهذا «اللاب»، وأن نقل التجربة الغربية فى الديمقراطية والشفافية والعدالة الاجتماعية تبدأ بحمل هذا الجهاز السحرى، وعليه قوائم أعضاء الحزب، وتنظيماته، واستطلاعات رأى يجريها «الحزب» بطريقته لتقول فى النهاية إن المواطنين يعيشون رغداً غير مسبوق، وإن ما ينشر فى الصحف، وما تبثه المحطات الفضائية، كذب، وافتراء، وعمالة لجهات غربية، وأحياناً أفريقية! هذا ليس هجوماً ضد «عز»، فلا أنا أستهدفه، ولا الناس بحاجة إلى توضيح ما يرونه شمساً ساطعة.. وهذا أيضاً ليس دفاعاً عن الإعلام المستقل «الخاص»، الذى شن «عز» هجوماً انفعالياً عليه فى ندوة «ليونز الميرلاند»، يوم الأربعاء الماضى.. فلا نحن بحاجة إلى دفاع عن إعلام اختار أن يكون المواطن ولاءه الأول، ولا «عز» قادر على إقناع المصريين بأن «النار» التى تكويهم هى لمسات حانية وبرد وسلام من «الحزب» الذى يحكم البلد منفرداً، ولا يريد أن يعترف بأنه لم ينجح فى تحسين حياة الناس.. شىء من الانفصام المتعمد.. وخطاب ينتمى إلى عهود سحيقة لم يعد العالم يعترف بها! وهذا كذلك ليس سجالاً بين طرفين متكافئين.. فهو يملك 67٪ تقريباً من «حديد مصر»، ثم صهر الحديد فى «فرن» الحزب الوطنى، فامتلك المال والسلطة.. وأنا مثلك تماماً، علاقتى بالمال لا تطمح لأكثر من «الستر»، أما السلطة فهى تلك التى تبدو لى، وأنا أتنقل من نيابة إلى أخرى، ومن محكمة جنايات إلى «جنح» بسبب مهنة لا تعترف بأفران «الصهر»..! كل ما فى الأمر أن أحمد عز قال «الصحافة المستقلة تدعو إلى حالة من الاكتئاب والإحباط»، وأنا أتفق معه تماماً، إذ ليس معقولاً أن تنشر تلك الصحف «العميلة» أخباراًَ وصوراً «تعكنن» على الرجل وهو يحتسى قهوة الصباح.. أى صفاقة تلك حين تنشر الصحف صور العمال والفقراء والمعاقين وهم نائمون أمام مجلس الوزراء والبرلمان.. أى «أباحة» عندما تحاول هذه الصحف الكشف عن الفساد والجرائم التى ترتكب فى حق البلد.. فمالنا ومال اتهام أعضاء فى الحزب الوطنى ونواب برلمان فى قضايا كبرى، ولماذا نهتم بشكوى المواطن من تخلف التعليم وتردى الرعاية الصحية وإهدار المال العام.. كيف نتجرأ ونتجاسر على إصابة «عز» بالاكتئاب والإحباط بنشر أخبار اعتصامات العمال فى شركاته.. فليذهب الجميع إلى الجحيم من أجل «مزاج» الرجل، الذى يحمل أكبر أمة فى المنطقة على «لاب توبه»..! لن أعيد ما ذكره عز فى هجومه المباشر على «المصرى اليوم» فى الندوة.. والسبب أننى لا أريد التفاخر بهذا الشرف، حتى لا نتهم بالغرور..! [email protected]