هناك أحداث تستحق وقفة، لتحديد من وراءها وليس فقط الحديث عما حدث وتبادل الاتهامات بين الأطراف كما تعودنا دائما، ومن ذلك ما حدث مؤخرا من بلطجة واعتداءات فى جامعة عين شمس، فليس مهما من اقتحم ومن بدأ، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا من خطط لذلك، فإنه من السذاجة أن ننساق إلى أن ما حدث جاء نتيجة تدافع الأحداث، لأنه كثيرا ما تكون الأمور واضحة ولكن البعض يتعامى عن مواقف معينة ويتغابى عن تفسيرها، وبالتالى تتدهور الأحوال أكثر مما هى متدهورة. وعند محاولة تحليل ما حدث فى جامعة عين شمس، فإن من يحاول أن يكون منصفا، لابد أن يخرج بنتيجة، من العبث التعامى عنها وعدم ذكرها بوضوح، وهى أن ما حدث هناك من خطط له وقام بحشد البلطجية وتوزيع الأدوار عليهم، فمن يا ترى فعل ذلك ولماذا؟ ■ الدليل على أن هناك من خطط لذلك أنه كان معروفا للجميع أن مجموعة 9 مارس قد أعلنت أنها ستذهب فى هذا التوقيت لجامعة عين شمس، لتوزيع صورة حكم المحكمة بإلغاء الحرس الجامعى كنوع من الحشد للفئات، التى تتعامل مع الحرس، لتنفيذ الحكم وعدم التحايل عليه، وبالتالى تفتق ذهن جهة ما عن أن تستقبل الأساتذة بحشد من البلطجية، لمنعهم من التواصل مع الطلاب، فكان ما كان من اعتداءات وإرهاب بالسنج والجنازير والخناجر، وهو ما سجلته الكاميرات بوضوح، وإذا عرفنا أن هذه ليست المرة الأولى التى يحدث فيها ذلك من البلطجية وفى الجامعة نفسها فإن ذلك يزيد من اليقين بأن هناك من يخطط وينفذ ذلك، ففى المرة السابقة تمت الاستعانة بالبلطجية، لضرب الطلاب، الذين كانوا يحتجون على سوء الأوضاع، وكان واضحا أن من خطط لذلك كان يريد إسكات الطلاب بدلا من الحوار معهم، خاصة أنهم فى جامعة من مهامها تعليم الطلاب فضيلة الحوار فتم اختصار الطريق وتخويفهم بالبلطجية، لإسكاتهم، ونسى من فعل ذلك أنه يمكن بعد فترة أن ينقلب السحر، على الساحر ولهم فيما حدث فى عهد السادات موعظة ولكنهم لا يتعظون. ■ وعندما يرى الطلاب أساتذة وعمداء ورؤساء يتعامون عن تطابق الصور للبلطجية ويجادلون بالباطل أن هذه صور قديمة ومفبركة، بينما كل من له عينان يرى أن أعمال البلطجة والسنج والجنازير يحملها نفس الأشخاص بنفس الملابس فى الصور حول د.عبد الجليل مصطفى، فماذا يفهم الطلاب غير أن الكذب والادعاء بالباطل أمر طبيعى وغير مستهجن ووسيلة ناجحة لفرض الباطل وأن النفاق والكذب هما أساس التقدم والصعود فى السلم الوظيفى. ■ ما الرسالة التى يريد من خطط لأعمال البلطجة أن يستوعبها الطلاب؟ أليس فيما حدث رسالة للطلاب، ألا يهتمون بالشأن العام وأن يبحث كل منهم عن مصلحته بالكذب والنفاق والبلطجة إن كان موهوبا فى ذلك. ■ كيف يقول مسؤولون كبار بداية من وزير التعليم العالى إن الأساتذة قد اقتحموا الجامعة وتحرشوا بالطلاب، وبالتالى فإن تهجم البلطجية على الأساتذة له ما يبرره، أيسمح لهم مستوى تعليمهم باستخدام هذه المصطلحات، وهل تنطبق على ما حدث؟ ■ عندما يقول أساتذة وأصحاب مناصب كبيرة إن الطلاب أخذتهم الغيرة على جامعتهم فقاموا للدفاع عنها بالسنج والمطاوى، فهل هذا مبرر لكل من يرى رأيا مخالفا لغيره أن يقوم بالدفاع عن رأيه بالسنج والمطاوى، خاصة أن من قالوا بذلك من كبار المتعلمين والمسؤولين عن المجتمع، هل هذا ما تريدون تعليمه للطلاب وللشباب عامة؟ ■ عندما ترسل جامعة عين شمس شكوى إلى جامعة القاهرة ضد الأساتذة وتحيل الجامعة الشكوى للتحقيق، بينما يصمت جميع المسؤولين عن محاولة التحقيق مع البلطجية، فما هى الرسالة التى ُيعلمها هؤلاء الكبار للصغار؟ أليس ما يتعلمه الطلاب من ذلك أن البلطجة لا عقاب لها، وأن الرأى المخالف هو الذى سيقدم للتحقيق وتكال له الاتهامات ويتعرض للجزاءات، أليس فى ذلك تكريس فى الأذهان بأن البلطجة هى الحل؟ ■ عندما تخرج قيادات جامعة عين شمس ووزير التعليم العالى بتلميحات ضد د. عبدالجليل مصطفى، وأنه اقتحم الجامعة وتحرش بالطلاب، وشتم طالبا أليس فى ذلك قلب للحقائق، وتعليم للطلاب كيف يكذبون ولا يكون لهم كبير يحترمونه، مع ملاحظة أنه يمكن أن يحدث لهؤلاء المسؤولين أكثر من ذلك ما دامت الحدود بين الطالب والأستاذ قد تكسرت بمباركة هؤلاء الكبار، ولمن لا يعرف د. عبدالجليل مصطفى أقول: إنه واحد من أنقى رجال مصر يحاول الإصلاح، رغم كل ما يتعرض له، والذى يحاول بعض الصغار الإساءة إليه والتركيز على ما وصف به البلطجى، بينما يتعامون عما فعله هذا البلطجى مع أستاذ فاضل فى قامة د. عبدالجليل مصطفى. على من يخطط للبلطجة فى الجامعات ويعتقد أن هذا هو أقصر طريق لإسكات الطلاب وترويعهم وتخويف الآباء عليهم، وبالتالى عزلهم عن الحياة العامة – عليهم أن يعرفوا- أن ما يفعلونه سينقلب عليهم يوما لن يكون بعيدا، وسيجنون مما زرعته أيديهم على أيدى البلطجية، الذين سيعرفون أن البلطجة هى الوسيلة للحصول على ما يريدون، وبالتالى إذا توقف رعاة البلطجة عن تقديم المكافآت للبلطجية، فسينقلبون عليهم، وعليهم أن يعلموا أن معالجتهم لما حدث باجتزاء الحقيقة وإخفاء بعضها والتركيز على ما يخدم مصالحهم الضيقة، سيعلم الطلاب أن يكونوا هم أيضا غير موضوعيين، ولا يقبلون بالحوار، وأن تكون السنج والمطاوى وسيلتهم لأخذ ما يريدون، وهذه سياسة لا تحافظ على الوطن بل تهدم ما هو قائم وتشيع الفساد فى كل المجالات فهل يفهمون ذلك؟ [email protected]