أكثر نصيحة تتلقاها العازبة من غالبية المحيطات بها هى المبادرة الفورية بالزواج. بعض الفتيات يجبن بأن الرجل المناسب لم يظهر بعد، فيأتيهن الرد جاهزا قد ورثته الأمهات عن الجدات: المهم الحقى تزوجى قبل ما تكبرى، أى ليس مهماً أن يكون الرجل الموعود مناسباً، المهم أن يكون زوجاً. وبكل سذاجة تفتح العازبة النار على نفسها، فتكشف عن نظرة رومانسية حالمة للزواج، بل تذهب للتأكيد بكل فخر أنها لن تتزوج إن لم تقع فى الحب. ترشقها عبارات السخرية على الفور. حب إيه وكلام فاضى إيه هذا بس فى الأفلام ، ستحبينه مع العِشرة. الحقى خلفيلك كام ولد قبل ما تكبرى. وكثيرا ما تردد الحاضرات أثناء إلقاء تلك المواعظ العظيمة - وإن على سبيل الفكاهة - المثل المصرى الشعبى: ضل راجل ولا ضل حيطة. لا أعلم أصل هذا المثل إن كان مؤنثا أم مذكرا لكنه مسىء جداً للرجل وكذلك للمرأة التى قد تدفعها كلماته للاقتران بأى رجل، أى أحد يملك أعضاءً ذكورية بغض النظر عن اتفاقها أو اختلافها مع صاحب تلك الأعضاء. هناك مثل خشن آخر لا يحضرنى أخبرتنى به بدوية من بلاد الشام. كانت تقول: يعنى اش تستنى؟! إنتى ما تحتاجى حارس؟! أكيد تحتاجى، تزوجى واعتبريه حارس، المهم تخلفى منه. لم أرد عليها. صدمتنى عبارتها كحياتها التى تفتقد للانتماء والحنين. أمثالنا الشعبية العربية فى غاية القسوة بعض الأحيان. لكن كلامها المتطرف يقابله تطرف عند نساء المدينة لا يختلف كثيراً عن قسوة تلك البدوية. فإن هى احتاجت لزوج يحرسها فى العراء فاحتياجات الأخريات للرجال تتعلق بحراسة أشياء أخرى. كيف يكون شعور الرجل وهو يستمع لكثير من الأقوال التى تجسده كوسيلة فقط أو تطرحه كمشروع تكاثرى بحت؟! ولماذا نتزوج؟! للإنجاب ولحفظ النوع البشرى وللإعالة! هذا ملخص حاجة غالبية نساء منطقتنا للزواج. أما الموعظة السرية الدارجة اليوم فهى: تزوجى سنة أو سنتين ثم احصلى على الطلاق وتكونى طلعتيلك بولد. المهم أن يزيد العدد. وبدلاً من أن أكون واحدة أتحول لاثنين، ككائن حى دقيق يمر إجبارياً بمرحلة الانشطار. كل ذلك لتكتمل الطبيعة ويزيد العدد ولا يهم الفراق بعده، فأين قدسية الزواج؟! أليس الزواج علاقة روحانية قائمة على اتحاد أبدى بين رجل وامرأة؟! كيف انتهكت قدسية ذلك الاتحاد فتحول لمصالح وعلاقات عابرة تحت إطار من القانون والتقاليد؟! مؤكد أن صاحبات الموعظة لا يفكرن فى أطفال سيكبرون وسط عائلات صممت أساساً لتتفكك، ولا أحد يفكر فى ماهية المشاعر التى تتولد جراء تزاوج أُسّس على العداء والكراهية. المهم أن يكتمل (البرستيج المجتمعى) وتكتمل الأسطورة الكونية التى تقول إن على كل امرأة أن تتزوج وتلد. قلت لسيدة تفكر فى الإنجاب من جديد: إن عدد سكان الكرة الأرضية فى انفجار متزايد. ردت: يعنى جات على أولادى العشرة هما اللى اتسببوا فى ذلك الانفجار؟! أعرف أنها وزوجها لا تربطهما أى علاقة عدا المتعلقة بالأولاد والبنات والإنجاب، فقد تزوجته ليحرسها وليحقق حلم أمومتها. وأعرف أن أولئك العشرة لا تربطهم أى علاقة بأبيهم الذى يكد ويهلك ليجمع قوت اليوم فلا وقت لديه لتدليل الأبناء أو لمعرفة الأحوال النفسية للبنات، ليس لأنه فقير وحسب بل لاستحالة التوفيق بتربية دفعة كبيرة من الأطفال وصعوبة توزيع المحبة عليهم بالتساوى.. أطفال الشوارع لا يعرفون الحب، كذلك الكثير من أطفال المنازل لا يعرفونه. وإن كان الإنجاب لدى النساء مرتبطاً بالحنان والأمومة والخوف من العيب والوحدة، فإن الإنجاب فى نظر الفكر التقليدى لرجال العرب لا يرتبط بالعاطفة بل بالعزوة وإثبات الرجولة والفحولة. حسناً، أثبتت فحولة الرجل وتحقق حلم الأمومة والزواج للمرأة. من سيعتنى بتلك الأعداد من الصغار ويضمن لها تنشئة عصرية تتناسب ومتطلبات اليوم، وتتوافق مع أحدث وسائل التربية، تربية تركز على مكامن الإبداع لديه وتدفعه لتنميتها، فبلده يحلم بالانتقال لمجموعة الدول المتقدمة؟! يا عمى صلى على النبى، ربنا حيتكفل بيهم. قالها لى عامل يعمل بإحدى الدول العربية ويخطط لملء البيت بالعيال، مع أن راتبه الحالى لا يكفيه هو وزوجته وأطفالهما الأربعة. أهكذا ينفسون عن قهرهم وغضبهم وحاجتهم وعوزهم؟! متراكمون فوق بعضهم البعض بعشش أو بيوت متناهية فى الصغر لكنهم لا يخشون الإنجاب، بل إن الجنس تعويض عن الحرمان بعض الأحيان، كيف يجدون وقتا للإنجاب؟ آخرون يسكنون القصور ويتعذرون بوجود الزوجات والأموال والمكان لاستيعاب أكبر كم من الأبناء بمنازل يضيع بها الأفراد. لا تفلح معهم الحكومات، لا يفلح أى شعار توعوى، لا تنفع أى دعوة لتنظيم النسل. قد يربطون الإنجاب المطرد بالحرام والحلال، وقد يقولون بأن أبناءهم هم الضمان فى مرحلة العجز ببلدان لا تكترث للشباب فكيف بالعجزة، وقد يفسرونه على أنه حرية خاصة، فى النهاية هم يتزوجون ويحققون رغبتهم بالتكاثر وبمزيد من التخلف والاستغلال. ولو تمعنا نحن - المنتمين للعائلات الكبيرة - أكثر لعرفنا أننا كنا ضمن مجموعة إخوة وأخوات شكلوا دعائم مشروع إثبات الفحولة وتحقيق حلم الأمومة. لو أنهم أحبوا الطفولة ما استغلوها وأهملوا مصيرها وتجاهلوا سعادتها. أعود إلى الواعظات الجالسات أمامى ونصيحتهن بالمبادرة بالزواج قبل أن يفوت قطار الإنجاب، وتعود عبارات السخرية والتهكم، ومعلومة مهمة.. فكل أولئك الواعظات لم يتزوجن عن عاطفة ورغبة ولم يغرمن برجالهن أبدا بل عشن دون حب وإن تظاهرن بالعكس، لكن الأمومة عوضتهن أجمعين عن سنين المر مع زوج غير حنون. هكذا يقولون وهكذا يتمنون لى. منطق غريب. [email protected]