من الذى أساء إلى فضيلة الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوى، رحمه الله، طوال سنوات قضاها فضيلته كشخصية عامة منذ تولى موقعه مفتياً للديار فى منتصف ثمانينيات القرن الفائت، وحتى توليه مشيخة الأزهر بعد عشر سنوات على ذلك.. الإعلام أم السياسة، أم طنطاوى نفسه؟! تقريباً قضى الرجل زمناً يقارب ربع القرن تصدر خلاله مشهد الفتوى فى مصر، حاول واجتهد، ربما أخطأ ونال أجراً، وربما أصاب ونال الأجرين معاً، ربما يذكره التاريخ بعد سنوات طويلة من الآن كأحد المجددين الكبار، ويحتفى به كما نحتفى الآن بالأئمة محمد عبده وعلى عبدالرازق، وربما ينتقده التاريخ، لكن المؤكد أنه لن يتجاوز عن اسمه ويمر عليه مرور الكرام، على الأقل لطول المدة التى قضاها متصدراً المشهد، ومثيراً لجدل لا ينقطع خلف كل فتوى تصدر عنه، وكل تصريح تنسبه الصحف له. هل ألِفت الصحف ووسائل الإعلام شخصيته، فتوقعت على الأقل سخونة ودهشة فى ردوده على الأسئلة وتعليقاته على القضايا، فتعمدت اصطياده، وإدخاله حقول ألغام فكرية؟ فسألته عن كل شىء، من أول الأحوال الشخصية، وحتى التعديلات الدستورية وشؤون الحكم، فجاءت ردوده مستندة إلى ما يشرعها دينياً، لكنها - للمصادفة - تصب فى اتجاه طرف واحد، أو تبدو منحازة إلى مؤسسة الحكم وقناعاتها وسياساتها التى تسعى لترويجها؟ أم أن مؤسسة الحكم ذاتها هى التى أساءت لطنطاوى، بإقحامه فى كل كبيرة وصغيرة، واعتمدت عليه فى تسويق سياساتها، غير المرحب بها شعبياً، فانعكس مستوى قبول الناس للحكم وسياساته على قبولهم لطنطاوى، وأدى ذلك لانهيار قيمة ومقام الأزهر الشريف لدى العامة، جرَّ انهياراً لا يليق فى وضع الأزهر كمؤسسة رائدة وقائدة فى العالم الإسلامى كله؟ أرادت السياسة أن يكون طنطاوى إحدى أدواتها الفاعلة، حاولت استغلال مكانته الدينية، ومكانة الأزهر نفسه، وأرادت الصحافة أن تستفيد من هذه الحالة، فتفوز بقصص ساخنة ومثيرة للجدل والدهشة، وأن تصدر صفحاتها بقفشات الإمام الأكبر، وآرائه الجدلية، وفتاواه الصادمة لقطاعات كبيرة من المجتمع. والحقيقة أن طنطاوى نفسه رضى هذا الاستخدام من قبل السياسة، وأحب هذا الاهتمام من قبل الصحافة، وشغل نفسه بمعارك صغيرة لا تناسب قامته ومقامه، ولا تليق بهيبة مشيخة الأزهر ومكانة إمام المسلمين. كلنا أسأنا للأزهر، ولشيخه، ولتاريخه، وسنواصل الإساءة له، إذا ما استمرت سياسات استقطابه، واستخدامه، وربطه بالسلطة التى تتزايد شعبيتها وتتناقص وفق الأحداث والأزمات، ولا يليق أن تكون شعبية الأزهر وتقديره رهناً لبورصة السياسة وتقلباتها. رحم الله الشيخ طنطاوى، وألهم مَنْ سيأتى بعده حكمة العالمين، وزهد العابدين.. واستقلالاً يليق بإمام المسلمين. [email protected]