" بقولك إيه يا باشمهندس، تحب تشتري ماتور جديد ولا نلفه ونخلص؟" الذي قال هذه العبارة هو الكهربائي الذي استعنت به ليصلح موتور المياه الذي انفجر فجأة وبدون سابق إنذار، وبغض النظر عما إذا كان اسمه "ماتور" أو "موتور"، فإن هذا الموتور شيء أساسيّ في كل بيت مصري حيث أنه بدونه لن أستطيع أن أشم رائحة المياه العطرة أو أرى لونها الزهري أو أتذوق طعمها الجذاب، ذلك أني أسكن بالدور الرابع وكما يعلم الجميع فإن المياه في أرض هبة النيل ليست بالقوة الكافية لتصعد وحدها في مواسير يعلم الله وحده مما هي مصنوعة، لابد من عامل مساعد لكي تصعد المياه، والعامل المساعد هنا اسمه موتور بقدرة واحد حصان. لماذا أخبركم بهذا الموقف الممل؟ لأنني بصراحة أسعد كثيراً عندما يخاطبني أحد ما ويقول لي يا "باشمهندس"، هذا ليس غروراً أو تفاخراً أو استعلاء على الناس، ولكنه حب لمهنة أتشرف باني أمتهنها، تماماً كما يسعد الطبيب عندما يناديه أحد في موقف ما ب "يا دكتور "، وكذلك الصيدلي والمحامي والمحاسب وكل حسب وظيفته ومهنته، وهنا أنا لا أقصد أن تنادى بلقبك في محل عملك فهذا شيء بديهي وطبيعي، ولكني أقصد أن تنادى بلقبك خارج محل عملك وفي تعاملاتك الشخصية. لماذا أحكي لكم هذا الكلام الممل؟ هذا الكلام الملل هو مقدمة لحكاية أخرى مملة أحب أن أرويها لكم، ليس حباً في الكتابة أو لكي يستفاد البعض منها، ولكن فقط لأوزع طاقة الحزن التي أشعر بها على كل من يقرأ هذا المقال ويستمع لهذه الحكاية. في يوم ذهبت إلى الأسطى عبده الميكانيكي لإصلاح مشكلة بالسيارة أعاني منها ولأنه كان يعرفني "لأني زبون قديم" قال لي أول ما رآني "كل سنة وأنت طيب يا باشمهندس خير في إيه؟؟"، أخبرته بالمشكلة التي أعاني منها فطلب مني أن أستريح ربع ساعة وسوف تكون السيارة كالجديدة، وأنا في انتظار انتهاءه من إصلاح السيارة دخل علينا رجل ضخم وقال بصوته العالي الأجش "صباحك نادي يا باشمهندس والنبي سيب العربية اللي في إيدك وتعال شوف العربية دي مالها"، بغض النظر عن طلبه الغريب الذي يطلبه بأن يترك الأسطى عبده سيارتي ليصلح سيارته، لكن الذي استوقفني أن أسطى عبده أخذ لقب باشمهندس بسهولة "أمال أنا روحت الكلية ليه"، مع أنه والحق يقال أسطى عشرة على عشرة. المهم أن انتظاري طال فقررت أن أذهب لقضاء بعض المشاوير حتى أكسب بعض الوقت، ركبت تاكسي وفي الطريق وجدت سائق ميكروباص يدخل برأسه في شباك التاكسي ويسأل "معاك فكة عشرين يا هندسة ؟؟ "، السؤال كان للسائق وليس لي!!، وهنا علمت أن السائق هو الآخر حصل على لقب باشمهندس وبنفس سهولة عم عبده. و أنا في المحل أشتري بعض الملابس الجديدة، كان العامل بالمحل متعاون بشكل جيد، ويتعامل معي ومع جميع الزبائن بطريقة لبقة وبدون تحفظات وتوجد على وجه ابتسامة وهو بذلك كأنه "بيربي زبون"، المهم أن أحد الزبائن أعجبه قميص معلق وأراد مقاسه لذلك قال لذلك العامل "بقولك إيه يا باشمهندس القميص اللي على المانيكان ده بكام ؟؟ "، ...... كوني معه على الخط، من البديهي أن هذا السؤال لم يكن لي، بالتأكيد الباشمهندس الوحيد الموجود بالمكان هو المانيكان ... أقصد الفتى العامل بالمحل ... لأنه كان زميلاً لسائق التاكسي وعم عبده. عقلي كان يدور كما تدور لعبة ديسكافري في ملاهي دريم بارك، ولكن، مازلت في أول اليوم ولم أنتهي من المشاوير بعد، فلقد كنت مع موعد مع أهم المشاوير جميعاً، إصلاح هاتفي المحمول، ولقد كنت أعرف أين سأذهب، إلى مركز "جبالي "الذي سمعت عنه أنه أقوى مركز صيانة في المنطقة، حيث أن المهندس المسئول عن الصيانة لا يشق له غبار، المهم ذهبت إلى هناك وصعدت للدور السابع ووجدت شاباً كتكوتاً يقابلني وسألته عن المهندس فقال لي "أؤمر أنا المهندس إبراهيم"، يا عقلي الدوار ياني، فعُمر هذا الشخص لا تسمح له بأن يكون مهندس، بالكاد سيكون طالب في الكلية، المهم أعطيت له الموبايل لأني كنت في حاجة شديدة إلى الراحة ولست في حمل مناهدة ومجادلة غير ذات معنى، سألته من أي كلية تخرج وهنا علمت أنه خريج معهد فني، لا بأس ... المهم أن يصلح الموبايل كما يجب، بعد عشرون دقيقة رجع لي بالموبايل وحقيقاً كان "زي الفل وأكتر" وأعطاني الكارت الخاص به لأنه هو أيضاً "بيربي زبون"، نظرت على الكارت ووجدته مكتوب عليه "مركز صيانة جبالي للصيانة" وأسفلها "المهندس / إبراهيم أبو وردة"، وعلمت وقتها أن هذا المدعو إبراهيم كان دُفعة عم عبده وسائق التاكسي وعامل المحل. رجعت إلى عم عبده لأرى إن كان قد انتهى من صيانة السيارة "الباشمهندسة "هي الأخرى، وكان عند حسن ظني، فهو رجل عبقري، أخذت السيارة وانطلقت أريد العودة إلى البيت لأستريح من هذا الخلاط الذي وقعت فيه مع أني كنت أشعر أني نسيت شيئاً ما، وعندما كنت أقوم بركن السيارة وألصقها بالجدار خوفاً من أن يأتي سواق "من إياهم" ليخدشها أو يخبطها كما حدث من قبل كان هناك شخص ما ينادي بصوت عالي "يا باشمهندس ... ياااا بااشمهندس"، صدعت إلى شقتي وإذا بهاتف المنزل يرن وعندما رددت وجدت شخصاً يقول لي "جرى إيه يا باشمهندس عمال أنادي عليك من ساعتها وأنت مش سامع، معلش تعال شيل عربيتك لأني بغسل السطح ونزل عليها مية مطينة !!!". قررت أن أترك السيارة في مكانها لأنه لم تكن لدي أي طاقة للنزول مرة أخرى لأبقى نصف ساعة أبحث عن مكان آخر أستطيع أن أركن فيه السيارة، وكنت كل ما أفكر فيه وقتها أن أقف تحت الدش لأستمتع ببعض المياه الباردة، ثم تذكرت أن الموتور مازال معطل وأني نسيت أن أمر على الكهربائي لأخذه .... والنتيجة أنه لا توجد مياه. بقلم / مصطفى الطبجي