لا أعرف كم أغنية حماسية سينتجها العرب بمناسبة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات فى القدس، واقتحامها الأخير لباحة المسجد الأقصى، لكننى على الأقل أثق أن كتائب الملحنين والموزعين والشعراء والمطربين مستنفرة هذه الأيام، ولا شك ستدخل الميدان فى أقرب فرصة بأغان جديدة تكون أبلغ رد على الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية فى المنطقة. لا أعرف كم بياناً احتجاجياً صدر وسيصدر، لكننى أثق أن ماكينة التنديد والاستنكار العربية، فى «التليين»، وستخرج فى الوقت المناسب، لتحمل إسرائيل المسؤولية كاملة، وتطالب المجتمع الدولى بتحمل مسؤولياته، وتدعو الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها. العرب مشغولون بالمفاوضات، ومختلفون فيما بينهم: هل تخوض السلطة مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة، وهل يكون لتلك المفاوضات سقف زمنى أم لا، العرب يحاورون أنفسهم، يضعون الشروط فى مواجهة إسرائيل، قبل أن يضمنوا قبولها بالمفاوضات، يحاولون جمع أبومازن ونتنياهو، ويفشلون فى جمع أبومازن وخالد مشعل، العرب عاجزون عن مصالحة أنفسهم، ويسعون وراء تسوية نهائية للمشكلة الفلسطينية دون أدوات ضغط، أو حيوية حركة، يعتمدون على دبلوماسية «الاستجداء»، فى الوقت الذى لا يجيدون فيه المقاومة، ولا يطلقون النار إلا بأوامر من الخارج، وفى أوقات غير مواتية، يشعلون الحروب لخدمة أطراف إقليمية ودولية، ويقدمون الشهداء قرباناً لآخرين. من حق إسرائيل أن تدخل المسجد الأقصى، من حقها وواجبها أن تستولى على جميع المقدسات، أن تصادر ما تريد، وتهدم ما تريد، وتغير فى طبائع الأشياء كما تريد، ستكون حكومة مقصرة ومتخاذلة لو وجدت هذه الفرصة الذهبية ولم تستغلها، ستكون حكومة غبية، لو وضعت فى حساباتها غضب العرب، أو ردة فعلهم، وهى تعلم مدى هذا الغضب، وأقصى رد فعل ممكن. حكومة إسرائيل ليست حكومة وحشية ولا مجرمة، ليست حكومة لصوص ولا قتلة، ولا تمت بصلة لعشرات المفردات التى تسوقها حكومات عربية وزعامات عربية، هى فى النهاية حكومة تعرف ما تريد، وتتحرك نحو أهدافها بكفاءة كاملة واستغلال رشيد لجميع الظروف، حكومة لا تملك ثرواتنا، ولا أدواتنا، ولا جغرافيتنا، ولا ثروتنا البشرية، لكنها تشق طريقها بكفاءة فى محيط عربى أنهكه القهر والتجبر والاستبداد، ووسط زعامات عربية، العروش هى قضيتهم الأهم والأسمى والأحق بالدفاع عنها وبالتسلح من أجلها. حكومة إسرائيل.. حكومة منتخبة ديمقراطياً جاءت بإرادة شعبها، دون تزوير أو تقفيل صناديق، حكومة تخضع للمحاسبة، والمساءلة، حكومة تخدم الشعب ولا تمتلكه، لذلك تسعى جاهدة لتحقيق طموحات شعبها، حتى لو كانت طموحات توسعية وإجرامية، ولأنها تدرك كل ذلك تجتهد لرفع شعبيتها. لا تلوموا إسرائيل.. لوموا من يمارسون القهر علينا طوال 50 عاماً، من يشترون الرصاص بثمن الخبز والدواء، ليضربوا بها إلى الوراء، من يخوضون المعارك لحماية عروشهم، أما الأقصى فله أتراك يغضبون لأجله، أو هنود أو آسيويون، أو حتى غربيون متحضرون شريعتهم حقوق الإنسان..! [email protected]