هل الفيلم مجرد شريط من مادة خام ذات حساسية للضوء والحركة أم أنه يتجاوز ذلك التوصيف المادى إلى كونه مكاناً آخر وزمناً موازياً ومستمراً؟ هل الفيلم حالة أم وثيقة؟ تعبير أم إشارة؟ خواطر كثيرة من الصعب حصرها تتدفق على شاشة الذهن ونحن نتابع فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الفيلم القصير المتوسطى، التى شهدت مدينة طنجة فعالياتها على مدار خمسة أيام، وانتهت الأحد الماضى. ضمت فعاليات هذه الدورة برنامجين أساسيين، هما المسابقة الدولية، التى تمنح ثلاث جوائز هى: جائزة المهرجان الكبرى وجائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة السيناريو وشهدت تنافس 53 فيلما من دول حوض البحر المتوسط. والبرنامج الثانى هو بانوراما الفيلم المغربى القصير، التى عرضت 46 فيلما هى أغلب إنتاج السينما المغربية القصيرة فى عام كامل، إلى جانب ندوات يومية لمناقشة أفلام المسابقة ودرس للسينما عن فن التمثيل للفنان المصرى عزت العلايلى. تأتى أهمية البانوراما المغربية من أنها تقدم صورة متكاملة لطبيعة إنتاج الأفلام القصيرة فى المغرب سواء التى تنتج من خلال مدارس السينما المغربية أو الإنتاج المستقل لأفراد أو كيانات إنتاجية صغيرة وخاصة. شهد الافتتاح عرض الفيلم القصير «طنجة مدينة دولية»، وهو تسجيلى من إنتاج الاتحاد السينمائى الدولى عام 1946، ويعتبر وثيقة مصورة عن مدينة طنجة بعد الحرب العالمية الثانية من إخراج الفرنسى «أوندرى زووبادا»، ويؤكد على الشخصية المغربية لطنجة رغم كونها مدينة تتسم بطابع كوزموبوليتانى (أى متعدد الجنسيات) نتيجة اقترابها الشديد من أوروبا. ينظم المهرجان المركز السينمائى المغربى برئاسة الناقد السينمائى نورالدين الصايل، وقد أكدت أفلام الدورة الحالية أن الفيلم صار مساحة للتواصل بالدرجة التى يتحول معها إلى مكان حيث تسقط المسافات التى تفصل ما بين هموم الذات وهموم الآخر، وذلك عبر لغة تكنيكية تحاكى أعلى مستوى من التطور التقنى والبصرى، فنجد مثلا فى الفيلم اللبنانى «وشم بالعين» للمخرجة يمنى عيتانى قصة مجموعة من أطفال الشوارع فى شمال لبنان، قدمت بشكل تجريدى، وتجسد حياة أطفال الشوارع فى أى دولة، حيث الضياع الكامل للذات وكره الآخر ومحاولة إغراق كل شىء فى وهم المخدرات، ومن صربيا فيلم «خمس دقائق فى شارعى» للمخرج «ميلوش بوزيتش» يتحرك فى بعد زمانى قوامه خمس دقائق فى أحد شوارع صربيا حيث بيع المخدرات للقُصّر ومنح المال للعجائز مقابل كوبونات الطعام نتيجة تردى الوضع الاقتصادى. أيضا فى الفيلم اليونانى «يمين يسار» والبرتغالى «بالجانب»، ففى «يمين يسار» الذى يقوم على أداء صامت بدون كلمة واحدة يحتجز أحد الرجال خارج شقته التى على اليمين لخروجه بلا مفتاح ليلا نتيجة معاناته من الأرق، ولا يجد سوى جارته التى تسكن على اليسار لكى يبيت عندها فينام ليلته بعمق لأن كل ما يحتاجه هو الرفقة، أما «بالجانب» فلدينا نفس الجار لكنه واقع فى غرام جارته السمراء التى ترتبط بشخص يعاملها معاملة سيئة، ويقدم الفيلم اليونانى «سبعة أحرف» تلك المعاناة الرهيبة لرجل يعتنى بزوجته المريضة على فراش الموت عبر محاولة وصف الحياة فى الخارج حيث أصوات الشارع والأطفال التى تلعب والعصافير كما يسمعها ويراها من شباك منزلهما، هذه الأصوات تنقلنا للفيلم التركى «أصوات» الذى تدور أحداثه فى بيت مجاور لمعتقل تركى فى كردستان حيث أصوات الجيش وتعذيب المعتقلين، وتلعب الأصوات نفس الدور تقريبا فى الفيلم المصرى «باب للخروج» للمخرج يوسف ناصر، حيث يحتجز شاب وفتاة فى شقة منعزلة هربا من ضجيج الحياة، وأصوات الجيران والميكروباصات والمعاكسات.