يعيش «عم سيد» منذ 40 عاما فى حجرة صغيرة أسفل بير السلم، فى بدروم إحدى العمارات المتهالكة فى حى بحرى. مساحة الحجرة متران ونصف المتر، بها سرير متهالك ومنضدة قديمة، وبعض الملابس المهلهلة فقط. لا تحتاج لأن أن تسأل عن كيفية الحياة فى هذه الحجرة، فالمشهد يوحى بأكثر ما تعبر عنه الكلمات، هى نصف حياة، يخرج عم السيد برأسه ذى الشعر الأبيض، وقد رسم الوهن خطوطه على وجهه، فيقول: «أنا عايش هنا من 40 سنة، تحت بير السلم، هى مش أوضة، ده مكان أنا مقفله تحت بير السلم». تسأل عن مكان مطبخ أو حمام يقضى فيه حاجته، فتكون الإجابة: «أُمال الجيران راحوا فين، ومساجد ربنا كتير فى أى مسجد قريب». لا يجد أزمة فى تناوله الطعام، فموائد الرحمن التى تستمر طوال العام يرتادها للحصول على حصته من الطعام، بالإضافة إلى مساعدات الناس الطيبين والإعانات من الجمعيات الخيرية». كان عم سيد يعمل حارسا فى المنطقة، ويحصل على ما فيه النصيب من السكان، رغم كبر سنه، ولكنه وبمرور الأيام وغلاء المعيشة، ترك هذه المهنة، ومن حارس لبائع موز متجول، بعد أن حصل على رخصة لبيع فاكهة على إحدى العربات «الكارو» ولكن لم تتركه المحافظة، التى منعته من البيع. كان لابد لسيد أن يجد مهنة يرتزق منها فعمل فى غسيل السيارات برخصة أخرجها من المحافظة، ويقول: «فوجئت بمسؤولين من المحافظة يمنعوننى من غسل السيارة فى الشارع وأخدوا منى ماكينة الغسيل، فبقيت من غير شغل وعاطل عن العمل». 65 عاما لم تشفع لعم سيد كى ينتزع حقه فى حياة كريمة، ويقول: «أنا راجل كبير ومتبهدل فى الدنيا دى، جريت على المسؤولين والمحافظ عشان آخد شقة من المحافظة أو أوضة أعيش فيها، المحافظ قال لى لازم تجيب 50 ألف جنيه، عشان نسلمك شقة.. منين أجيب 50 ألف جنيه؟ أنا راجل على أد حالى». لكن عم سيد يفاجئك حين تجده يقول: «أنا هاشتكى لمحكمة العدل الدولية عشان آخد حقى، أنا خلاص راجل فى آخر عمرى ولا عندى ست ولا أولاد، وشقيت فى الدنيا دى كتير، عايز أعيش آخر أيامى حياة كريمة، فى شقة أو حتى أوضة آدمية».