يدعى المتطرفون كونية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ويعتبره قسم واسع من الحقوقيين مناهضا للقيم الحقوقية المتعارف عليها كونيا. حجة المتطرفين اعتبارهم الإسلام «شرع الله» الوحيد الصالح لكل البشرية مهما اختلفت الثقافات. أما رد المناهضين فينطلق من أن الحق فى الاختلاف ومناهضة التمييز والكراهية والعدل والمساواة شرائع، لا يمكن أن نجد لها فى الإسلام نظيرا صالحا للتطبيق الكونى، بل هناك من يعتبر أن «شرع الله» مناهض لأهم ميزة فى حقوق الإنسان، أى حق الاختلاف.. يشكل الاختلاف والاعتراف بالآخر قيمة سامية فى المنظومة الحقوقية العالمية، فيما يشكل التطرف والكراهية ميزتين لا تنسجمان مع الحق الإنسانى كما ناضلت من أجله الإنسانية. فى العالم الإسلامى لا يكف المتطرفون عن ترديد شعار عدالة الإسلام. وبالمقابل يقوم ملايين الخطباء ورجال الدين من على منبر خطبة يوم الجمعة، بالتحريض على الكراهية والعنف ضد غير المسلمين. ومابين المفارقتين سلوكيات متجذرة لدى بعض المسلمين من قبيل الموقف المتطرف تجاه غير المسلم و«الكافر». أما الكراهية التى تتضمنها العديد من أدبيات مختلف المذاهب الإسلامية، فنموذج آخر لتطاحن داخلى يخفى سؤالا عميقا مفاده: ماهو نموذج الدين الصالح لكل زمان ومكان، إذا كان المسلمون أنفسهم غير متفقين على فهم واحد لهذا النموذج؟ بعيداً عن هذا السؤال الذى يحتاج وقفة مستقلة، وقريباً من واقع بلدان من قبيل المغرب ومصر وسوريا ولبنان حيث «يتعايش» مواطنون من مختلف الأديان. يستمع غير المسلمين(يهود ومسيحيون) كل يوم جمعة بالتحديد إلى الكثير من الأوصاف المشينة لهم والتى تدعو عليهم وتحرض على «الجهاد» ضدهم وعدم الثقة بهم... ولا يقتصر الأمر عند معاداة المختلف دينيا والدعاء عليه، بل يتجاوزه إلى عداء مستحكم بين المسلمين أنفسهم بفعل اختلافات مذهبية تذهب حد تكفير بعضهم البعض. انطبع تاريخ المسلمين بالعنف والحروب التى خاضوها لاحتكار شرعية «قراءة وفهم القرآن». لقد وجد فى كل مرة من يعتبر الحروب «جهادا» ولو ضد المسلم الذى يحرم القرآن نفسه «قتله بغير حق». وبالمقابل طورت الإنسانية قوانين بشرية صنعتها المجتمعات أثناء تفاعلاتها المختلفة. قوانين وضعية قابلة للتعديل والتغيير، ولا يمكن أن نضفى عليها طابع القداسة المطلقة. إن الحق الوحيد الذى يجب أن يظل مقدسا هو حق الإنسان فى الوجود الحر والكريم، كحق كونى غير قابل للمساس. لكن لا شىء بالنسبة للمتطرفين يمكن أن يكون كونيا ما لم يكن مصدره «شرع الله». وفرض هذا الشرع كما يفهمه المتطرفون على جميع المواطنين وبدون رضاهم مخالف للشرائع الحقوقية، بل مساس خطير بحرية الاعتقاد و بالحق فى الاختلاف. يستند المتطرفون للتستر على معاداة الفكر الحقوقى على: «خصوصية المجتمعات الإسلامية» و«اختلاف الثقافات» و«استحالة الحديث عن كونية حقوق الإنسان» وعلى «نسبية الأفكار». غير أن هذه الأفكار ذاتها تلزمهم باحترام خصوصيات المختلفين معهم و عدم تطبيق «شرع الله» عنوة على غير المقتنعين به. إن استغلال الأنظمة الاستبدادية والأصولية لأطروحات المتطرفين يجد نموذجه الواضح فى رفض العديد منها المصادقة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فيما اضطرت أخرى للتوقيع عليها وبتحفظ شديد، خوفا من تحرر مجتمعاتها، ومطالبتهم بالمساواة والحرية والديمقراطية والعيش الكريم. إن الغاية القصوى لكل الشرائع، أرضية كانت أم سماوية، هى تحقيق العدل على الأرض، والعدل فى معناه السامى يتجه نحو حرية الإنسان وسعادته باعتباره قيمة كونية، لا يمكن لأى شريعة أن تناهضها. كثير من المفكرين المسلمين وعوا الحقيقة وحاولوا جاهدين إعادة تأويل الدين الإسلامى ونصوصه، بحثا عن نقط مضيئة فيه تلائم مقتضيات العصر. اختلفت طبعا منطلقاتهم وتوجهاتهم غير أن محاولاتهم تصطدم بتعنت لا يزداد مع الزمن إلا تشددا لتبقى نجاحاتهم ضئيلة فى انتظار الذى قد يأتى، لفتح كوة أمل فى أفق مظلم. أما الأمل الحقيقى، ففى تنوير إسلامى أشد تطورا وأكثر نضجا. * الكاتب: أستاذ المنطق والفلسفة المعاصرة بجامعة سيدى محمد بن عبدالله فاس المغرب المصدر: منبر الحرية: www.minbaralhurriyya.org