وسط شارع المدبح فى منطقة العمرانية فى محافظة الجيزة، اعتادت أن تجلس صباح كل ثلاثاء إلى جوار ابنتها الصغيرة، وباجور وحلة كبيرة هما كل رأس مالها فى الحياة. يوم الثلاثاء هو يوم مختلف فى حياة «أم منى» التى تجاوز عمرها 55 عاماً، فهى تستيقظ من النوم وتخرج فى ذلك اليوم مع ابنتها منى منذ الفجر ولا تعود إلى منزلها إلا مع غروب الشمس، حيث تتوجه إلى سوق الثلاثاء وهناك تذبح الطيور وتنظفها لزبائنها فى مقابل نقود قليلة بالتأكيد لا تكفيها، فهى تأخذ 50 قرشاً نظير ذبح وتنظيف الفرخة وجنيهاً للبطة أو الأوزة، ورغم قلة عائد هذه المهنة فإنها تحمد الله وتشعر برضا لأنها تعول أسرة مكونة من 5 أفراد. بيع وذبح الطيور هى المهنة التى لا تعرف أم منى غيرها، واعتادت ممارستها منذ سنوات، رغم أنها تعلم جيداً أن مصدر مرض أنفلونزا الطيور هو الاختلاط بالطيور الحية وذبحها، لكنها لا يهمها أن تصاب بهذا المرض، فالأهم أن تعود إلى منزلها آخر كل «طلعة» ومعها ما يكفى من الاحتياجات الأساسية لأولادها. أدوات «أم منى» عبارة عن موقد للغاز ووعاء من الألومنيوم وسكين حادة، فهى لا تحتاج أكثر من ذلك لإنجاز مهمتها، وظروف الحياة القاسية هى التى جعلتها تتمسك بهذه المهنة، ضاربة بعرض الحائط تحذيرات وزارتى الصحة والبيئة من خطورة التعامل غير الآمن مع الطيور أثناء ذبحها بتلك الطرق العشوائية: «العمر واحد والرب واحد.. واللى ليه نصيب فى حاجة هيشوفها».. أنا اشتغلت كتير فى محلات لتنظيف الطيور، لكن فكرت أشتغل لحسابى بدل من تحكم وسيطرة صاحب المحل، فرحت سوق الثلاثاء فى المنيب وهو مخصص لبيع الطيور، وفكرت أذبح الطيور وأنضفها للزباين مقابل 50 قرش.. وكله بينفع عيالى ومصاريفهم». ورغم حالة الرضا التى تعيش عليها فإنها لا تخفى طموحاتها وأمنياتها فى امتلاك محل تمارس فيه مهنتها: «نفسى فى محل يرحمنى من بهدلة الشارع، ومن الجرى من البلدية زى الحرامية، لكن ما باليد حيلة». ولا تكتفى «أم منى» بالعمل يوماً واحداً فى الأسبوع فى سوق الثلاثاء بل تنتقل على مدار الأسبوع بين المحافظات المختلفة للاستفادة من الأسواق الشعبية التى تقام فيها: «أعمل إيه أنا العائل الوحيد لعيالى، ولازم أخرج واشتغل عشان أوفر لهم لقمة العيش، ورغم تعبى من الشغلانة دى إلا أنها على قلبى زى العسل وفخورة بيها، لأنها بتغنينى عن مد يدى للآخرين».
