قد يقال إن اليوم المذكور فى عنوان هذا المقال ليس هو اليوم الصحيح، إنما اليوم الصحيح هو 26 نوفمبر 2008، إذ هو اليوم الذى حدث فيه الهجوم الإرهابى على مدينة بومباى بالهند من قبل جماعة أصولية مدعمة من أجهزة الدولة الباكستانية اسمها «عسكر طيبة»، ومنبثقة عن مؤسسة دينية اسمها «مركز الدعوة والإرشاد»، وكانت الغاية من تأسيس «عسكر طيبة» تحرير كشمير من الهند التى تؤارزها أمريكا، على غرار تأسيس «حماس» لتحرير غزة من إسرائيل التى تؤازرها أمريكا. والسؤال إذن: هل ثمة تماثل بين 11 سبتمبر 2001 و26 نوفمبر 2008؟ أظن أن التماثل قائم فى أن الإرهاب كان يقصد تدمير عاصمتى المال والتجارة فى كل من أمريكا والهند: نيويورك وبومباى، وإذا كان ذلك كذلك فإنه يمكن الاستغناء عن أحد التاريخين والاكتفاء بتاريخ واحد وليكن 11 سبتمبر ، ومما يدعم هذا الاكتفاء أنه فى 13 ديسمبر 2001، أى بعد 3 أشهر من 11 سبتمبر 2001، حدث هجوم إرهابى على البرلمان الفيدرالى فى نيودلهى بالهند، وقد نفذته جماعة «عسكر طيبة» الإرهابية. وفى هذا المناخ الإرهابى، دعيت فى نهاية ديسمبر 2001 للمشاركة فى إحدى الندوات الدولية للجمعية الفلسفية الأمريكية. وفى بداية الندوة قال ألان أولسون، رئيس قسم الفلسفة والأديان بجامعة بوسطن، رئيس لجنة التعاون الدولى بالجمعية المذكورة: < نريد أن نفهم لماذا حدث ما حدث فى 11 سبتمبر؟ ومغزى هذا السؤال كامن فى أن الفكر الفلسفى - فيما قبل ذلك اليوم - لم يعد صالحاً، وبالتالى هو فى حاجة إلى التجديد، وهذا التجديد ليس من شأن الدولة، إنما هو من شأن الفلاسفة، أما الدولة فمن شأنها تجديد الأجهزة الأمنية والمؤسسات الدبلوماسية. والسؤال بعد ذلك: هل ما حدث فى بومباى فى عام 2008 يسهم فى فهم ما حدث فى نيويورك فى عام 2001؟ أظن أن المفارقة فى هذا السؤال مردودة إلى أنه مثار بطريقة عكسية، إذ الصحيح أن يكون السؤال.. تاريخياً - على النحو الآتى: هل ما حدث فى نيويورك فى عام 2001 يسهم فى فهم ما حدث فى عام 2008؟ ولكن لماذا أثرت السؤال بطريقة عكسية؟ جوابى عن هذا السؤال يستلزم سرد قصة جديرة بأن تروى: فى يوليو 1975، رشحتنى جامعة عين شمس، التى أقوم بالتدريس فى إحدى كلياتها، لتمثيلها فى المؤتمر الفلسفى الباكستانى السابع عشر بمدينة لاهور المزمع عقده فى أكتوبر من ذلك العام. وبعد ذلك تسلمت رسالة من المستشار الصحفى بسفارة باكستان، يتطلع فيها إلى أن تكون مشاركتى، فى هذه الندوة، إسهاماً فى تنمية العلاقات الثقافية فى المجال الأكاديمى، خاصة أننى معروف فى الدوائر الفلسفية الباكستانية. ومع ذلك فقد أحسست بنوع من التوتر، إذ إن أسلوب تفكيرى علمانى، والدولة الداعية تستند فى تأسيسها إلى عقيدة دينية بلا منافس. وهنا تدخل سفير باكستان فى القاهرة، قائلاً: ثمة نوعان من الدول: دولة ينص دستورها على الالتزام بعقيدة دينية معينة، ولكن أسلوبها فى الحياة علمانى، ودولة لا ينص دستورها على أى عقيدة ولكن أسلوبها فى الحياة دينى. باكستان من النوع الأول والهند من النوع الثانى. ذهبت إلى المؤتمر وألقيت بحثاً عنوانه «الأصالة والمعاصرة فى العالم الثالث»، فكرته المحورية تدور على أن ثمة فجوة حضارية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ليس فى الإمكان عبورها من غير المرور بعصرين: عصر الإصلاح الدينى وعصر التنوير. وإثر الانتهاء من إلقاء البحث، دار حوار كان حاداً من قِبَل كبار الأساتذة، ولكنه لم يكن كذلك من قبل الأساتذة الشبان. وبعد ذلك أثارت وسائل الإعلام ما دار فى ذلك الحوار من أفكار متناقضة. وفى هذا المناخ الفلسفى انتهينا إلى ضرورة تأسيس «جمعية فلسفية أفرو آسيوية»، تكون غايتها بث روح التنوير فى شعوب أفريقيا وآسيا. ولكن ما لفت انتباهى فى الحوارات التى دارت بينى وبين مثقفين باكستانيين أثناء بقائى فى لاهور لمدة أسبوع آخر بدعوة من جامعة لاهور، هو أن تعاليم أبى الأعلى المودودى (1903- 1979) بدأت تحل محل تعاليم محمد إقبال (1877 - 1938) فى مجال التعليم. والفارق بين الاثنين جوهرى، ف«إقبال» يرى أن الاجتهاد فى الدين أمر لازم، أما «المودودى» فهو ضد الاجتهاد ومع تأسيس دولة أصولية شمولية تتبنى العنف، وقد كان له ما أراد عندما قام ضياء الحق بانقلاب أصولى أعدم بعده حاكم باكستان «على بوتو» الذى كان صاحب توجه علمانى. ولم يعد للجمعية الفلسفية الأفرو آسيوية أى اتصال بباكستان منذ نشأتها فى عام 1978، إلا أن الاتصال كان إيجابياً مع الهند، إذ عقدنا بها عدة ندوات، وكانت إحداها ندوة عن «العلمانية» فى بومباى فى يناير 1999. وهنا سؤال لابد من إثارته: لو كنا فهمنا الفارق الجوهرى بين باكستان والهند، هل كان من الممكن تجنب ما حدث فى 11 سبتمبر 2001 بنيويورك، وما حدث فى 26 نوفمبر 2008 ببومباى، وما حدث بينهما من أحداث إرهابية؟