المجتمع يتكون من إدارة الحكومة «الجهاز التنفيذى» والجهاز التشريعى وجميع مؤسسات الدولة الأخرى من إعلام وبحوث، ومن يدير هذه المؤسسات يفتح قضية الاختيار، والاختيار هو القرار الذى يؤدى إلى تقدم الأمم، فاختيار الرئيس بوش الابن أدى إلى مواجهة أكبر دولة غنية أكبر كارثة مالية على مدى عمرها، ودول فقيرة أخرى باختيارها الصحيح لقياداتها أصبحت غنية، فبوش الأب ومكسبه حرب تحرير الكويت مثّل نموذجاً للإدارة الناجحة حينئذ، وحصل على تأييد دولى لهذه الحرب، إلا أن الاقتصاد الأمريكى كان يمر بحالة تقاعس. ومع التطبيق الديمقراطى فى أمريكا ومن خلاله، ظهر شاب مثقف ومتعلم تعليماً عالياً وذو ثقافة واسعة وله حضور فى المجتمع، أمه عاملة فى مستشفى، من الطبقة تحت الوسطى، وله زوج أم سكير، ورغم ذلك من خلال الانتخابات وتواصله مع المجتمع وقدراته، اختاره المجتمع الأمريكى رئيساً له، وبناء على هذا الاختيار خرج المجتمع الأمريكى من أزمات اقتصادية.. كان هذا الشاب هو بيل كلينتون الذى اختاره الشعب والتف حوله رغم قوة بوش الأب وشهرته، وقال الشعب عن بوش الأب إنه فقد الإحساس بشعبه «out of touch» وأنه لن يسمع للشعب، واختاروا كلينتون، الذى جمع حوله رجال دولة ورجال علم، مما أدى إلى نهضة المجتمع الأمريكى علمياً وإلى طفرات فى الثروة والابتكارات، ودعّم إداراته بمستشارين على مستوى عال من الخبرة جعلوه يلم بكل ما يدور فى الأجهزة التنفيذية فى الدولة، وقام بما لم يقم به أى رئيس سابق فى ال 50 سنة الماضية، فهذا الاختيار الذكى أدى إلى نتائج مبهرة فى ذلك الوقت، فيما جاء بعد كلينتون اختيار سيئ، دفع ثمنه الشعب فى ظل الديمقراطية، فاختيار بوش الابن، الذى جاء بمنهج يغلب عليه شىء من التطرف الدينى ومزج الدين بالإدارة والسياسة، وجمع حوله رجال أعمال ومصالح متناقضة، أخذ المجتمع يهوى، وأدى سوء الاختيار إلى أن يأخذ هذا الرئيس، أمريكا إلى حافة الانهيار، وإلى أسوأ انهيار مالى اقتصادى منذ الثلاثينيات. ومن هنا ندرك أن الاختيار يعتبر أساس التقدم، فاختيار من يدير المؤسسات ويقودها بفلسفة ديمقراطية يؤدى إلى الفقر أو الغنى، وحيث إننا الآن نطرح توقعات تؤدى إلى حل مشاكل مصر وتقدمها بما يليق بمكانتها، مع الظروف الهائلة التى من الممكن استخدامها لتحقيق طفرة عالية فى التقدم فى المجتمع، خاصة فى ظل ظروف الاستقرار الحالية وظروف بدايات تعميق الديمقراطية والمشاركة والحرية، وكذلك فى موقعها والفوائض المالية البترولية والاحتياطات البترولية فى المنطقة، وأن مصر واجهة أفريقيا وظهر أوروبا، ومكانتها القوية فى الفكر الأوروبى، كمشاركة ومدعمة للأمان الأوروبى والأمان فى البحر المتوسط.. كل هذه الظروف تفرض علينا أن يكون الاختيار ومعاييره ورؤية البلد والأمل الكبير فى تطوير مصر، أن يتم هذا على مستوى تدعيم اختيار القيادات فى مجال العمل لتحقيق الأمل. الاختيار ومراحل التنمية تتقدم الأمم من مرحلة الإقطاع إلى التجارة، التى تنشئ نوعاً من الانتهازية ثم إلى الصناعة التى تعتمد على العلم والإدارة الجادة غير العشوائية، التى تعمل من خلال علوم، ليكون الناتج إنتاجا كبيرا مما أظهر الميكنة والتقنية العالية فى الصناعة، وعندما استشرت الانتهازية نتاجاً لهذه التجارة والصناعة الإقطاعية شعرت العمالة بالغبن وبدأت تنشأ النقابات، ودخل الجانب الإنسانى فى الإدارة وهو جانب مهم جداً، إن أهُمل فلن تحصل على إنتاج وستحطم الثروة الإنتاجية والبشرية.. من هنا بدأت الإدارة العلمية تدير المؤسسات وليست إدارة النسب والحسب، وتقدمت الدول بأن أصبحت الإدارة العلمية هى إدارة المؤسسات، وأصبح التوجه البشرى والتسويقى، المحددين لنجاح المؤسسات، بمعنى الاستثمار فى البشر وكفاءتهم والإنتاج، ومن هنا كان التوجه البشرى مهماً جداً وكذلك التوجه التسويقى الذى قوامه احترام المستهلك والتعرف على حاجاته وآماله وتوقعاته، وبناء على التنبؤ باحتياجات المستهلك ظهرت صناعات كثيرة وتطورت المنتجات ومواصفاتها مثل «التليفزيون».. وبدراسة احتياجات المستهلك تم اختراع الريموت وكذلك الموبايل والإنترنت، فالأبحاث تزيد، وظهرت الموجة الثالثة، التى تعتمد على الأبحاث العلمية، والتى تطور المنتجات، ومعدلات السرعة فى التطوير ارتبطت بالبحث العلمى. الموجه الثالثة رفعت توقعات الناس وضغطت على الشركات للصرف على الأبحاث، فالعلم فى الموجة الثالثة أظهر قيادات علمية لها قيمة فى المجتمع وأصبحت المؤسسات العلمية والبحثية مثل الجامعات ومراكز البحوث، هى قاطرة التقدم، والندرة البشرية فى الإبداع والفن والتطوير ظهرت بصورة عالية فى المجتمعات التى تتقدم سريعاً.. وحتى تدار المجتمعات بشكل صحيح حدثت تنمية بشرية للبشر الذين يملكون رؤية بانورامية للمجتمع وتطويره فى الوقت الذى تدار فيه المؤسسات برجال دولة لهم برنامج تنمية بمعايير واضحة ومحددة لإدارة هذه المؤسسات والشركات، وفى الوقت نفسه حدث تعمق للإدارة الديمقراطية فى المجتمعات، وأصبحت هذه الإدارة تستلزم تنمية رجال دولة.. اهتماماتهم وقدراتهم مرتبطة بالخدمة العامة.