وسط انتقادات داخلية متصاعدة، وازدياد جارف فى شعبيته إقليميا وعربيا وإسلاميا، يأتى الاستفتاء الشعبى على تعديل الدستور الفنزويلى، والذى يسمح للرئيس هوجو شافيز بالترشح لولاية جديدة عام 2012، بعد أيام قليلة من احتفالات الذكرى ال 10 لتوليه السلطة، والتى رأى منتقدوه أنه وظفها لخدمة حملته الدعائية الساخنة من أجل كسب أكبر عدد من المؤيدين لتوليه فترة رئاسة ثالثة، من خلال إعلان يوم الاحتفال أول الشهر الجارى عطلة وطنية مفاجئة، مستغلا بذلك صلاحياته الرئاسية لخدمة أغراضه الشخصية. ولا يقتصر التعديل الدستورى على منح الرئيس وحكام المقاطعات إمكانية ترشيح أنفسهم لفترة ثالثة، بل على إعطائهم حق الترشح لعدد غير نهائى من الولايات، وذلك رغم رفض المواطنين فى ديسمبر 2007 لتعديل مماثل طرح أيضا فى استفتاء شعبى كان يسمح بانتخاب الرئيس لأكثر من ولايتين مدة كل منها 6 سنوات. وهو ما يضع الآن الكثير من علامات الاستفهام حول شافيز، الذى أعرب عن ثقته البالغة فى نتيجة هذا الاستفتاء، خلافا لاقتراع 2007، لاسيما فى ضوء تحركات مناهضة بالداخل حيث رفعوا شعارات «لا تعنى لا»،فى إشارة إلى محاولته السابقة الفاشلة، وفى ضوء رد فعله المبالغ فيه بترحيل عضوالبرلمان الأوروبى لمجرد تشكيكه فى حيادية اللجنة الانتخابية واتهامه شافيز ب «الدكتاتورية»،فضلا عما تبثه التقارير الإعلامية من اعتماده سياسة ترهيب منتقديه باستخدام القوة وسطوة الأمن. وعلى مدار السنوات الأخيرة الماضية وبينما سجلت شعبية شافيز تصاعدا مطردا على الساحة الدولية، كزعيم مناهض للإمبريالية الأمريكية، يعيب عليه خصومه بالداخل «دكتاتوريته الشيوعية" واستئثاره بالرأى وتعسفه فى الانفراد بالقرارات، الأمر الذى قلص شعبيته حتى بين محبيه من فقراء الناخبين، فبعد إعادة انتخابه بأغلبية ساحقة فى 2006، تراجعت شعبيته فى استفتاء 2007 لتعديل الدستور، من أجل السماح بإعادة انتخابه، فى خطوة انتقدت داخل وخارج البلاد، وهو ما جعل بدوره التصويت الجارى تحديا كبيرا للرئيس الفنزويلى. أما اقتصاديا، فيأخذ عليه معارضوه تراكم الديون وتراجع دخل الحكومة من العائدات النفطية - ثروة البلاد الأساسية - التى أضاعها فى مشاريع لتمويل برامج فقر وإعادة بناء بنية تحتية فى دول الجوار، معتبرين أنه يسعى لتحويل نفسه إلى «أيقونة ثورية" تستقطب الأنصار على مستوى العالم، فى مواجهة الهيمنة الأمريكية، ولكن على حساب شعبه، وفى هذا الصدد، يعلق «ألبرتوباريرا»،كاتب سيرته الذاتية، قائلا «وعد شافيز الفنزويليين بالفردوس، لكن الفردوس الذى يصفه بالاشتراكيه يعتمد على نفط سعره 120 دولارا للبرميل». وبينما يأخذ عليه خصومه أيضا نشاطه الخارجى الزائد وانشغاله بقضايا عالمية مثل الفقر والصراع الفلسطيني - الإسرائيلى والاحتلال الأمريكى للعراق، مقابل نسيانه مشاكل الفنزويليين أنفسهم، الذين زادت بينهم معدلات الجريمة، تقول صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور" إن شافيز نجح خلال 10 سنوات فى تحويل بلاده إلى دولة «ملهمة للفقراء»،إذ انخفض معدل الفقر الداخلى من نحو 16 % إلى حوالى 8 %. وكان من اللافت فى احتفالات الذكرى العاشرة لتقلده السلطة، والحملة الدعائية المكثفة التى سبقتها هو اعتماد شافيز على صورته الخارجية سواء فى الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية كزعيم يسارى ثورى مناهض للإمبريالية الأمريكية، أكثر من اعتماده على شعبيته الداخلية، التى يؤكد كثيرون أنها آخذة فى الهبوط، سياسيا واقتصاديا. رغم أنه كان ومازال معشوق الفقراء، والدليل على ذلك تحويله مناسبة الذكرى ال 10 لتوليه السلطة إلى احتفالية إقليمية دعا خلالها رؤساء بوليفيا ونيكاراجوا وهندوراس، وهى الاحتفالية التى اتهمه فيها خصومه أيضا باستخدام موارد البلاد لتمويل حملته الانتخابية، الأمر الذى شوه حملته بشكل بالغ وأثار انتقادات داخل وخارج البلاد. ومن مظاهر استغلال سلطته مؤخرا لاسيما فى الانتخابات المحلية والبلدية الأخيرة، تكرر ظهوره فى وسائل الإعلام «والذى تجد كل القنوات نفسها ملزمة ببثه»، وشكاوى موظفى القطاع العام من نقلهم عنوة على شاحنات شركاتهم لإجبارهم على التصويت سواء فى الانتخابات أو الاستفتاء، فضلا عن اتهامات المعارضة له بتعمد تعطيل الموافقة على إعلانات حملاتهم فى الانتخابات، المحلية التى جرت قبل نحو3 أشهر. وكان شافيز - الزعيم المرح - قد دخل قصر الرئاسة بعد انتخابات ديسمبر 1998، حاملا معه أحلام الفقراء بتدشين عهد جديد ينهى هيمنة الأقلية من الأثرياء وكبار الملاك، وهى شعارات «حركة الجمهورية الخامسة»،التى دفعت محبيه إلى تسميته «عدو الأوليجارشيا ونصير الفقراء»،ورغم محاولته الوفاء بوعوده. ورغم إصلاحه الزراعى وإعادة توزيعه الأراضى على صغار الفلاحين، وتأميمه شركات القطاعات الاستراتيجية، حاول معارضوه، لاسيما من أرباب القطاع النفطى المتضررين من تأميمه، بالتواطؤ مع بعض العسكريين، تنفيذ انقلاب سياسى فى أبريل 2004، لكن المظاهرات الحاشدة التى خرج فيها أنصار الرئيس أدت إلى إفشاله، فعاد شافيز إلى منصبه، رغم كل ما يراه فيه المعارضون من نموذج صارخ ل «سوء الإدارة الاقتصادية، وللحكم الشعبوى»،الذى لا ينظر لأبعد من موطئ قدميه.