قرأت تعليقات كثيرة على مقال الأسبوع الماضى، وكان أغلبها يهاجمنى لهجومى على المدرس الذى وضع امتحان اللغة العربية وجعله جريدة خاصة، نشر فيها آراءه، وسب محمد هنيدى، بل سب كل الفنانين الساخرين ووصفهم بالفاشلين.. وأظن أن أغلب هذه الآراء هى لمدرسى لغة عربية بالتحديد.. وهم يقرون بحق واضع الأسئلة فى التعبير عن رأيه فى الأمور العامة بما فيها الأفلام، خاصة هذا الفيلم الذى يسىء للمعلم المهيب من وجهة نظرهم.. والحقيقة، أفزعنى هذا المنطق بشدة، وشعرت أن الفوضى تضرب المنظومة التعليمية بشكل أكبر مما ظننت.. فهم على قناعة بأن من حقهم وضع تصوراتهم الخاصة وآرائهم فى أسئلة الامتحانات لتلاميذ وطلبة فى مراحل عمرية حساسة وحرجة، ومن الممكن تشكيل فكرهم وتوجهاتهم بسهولة، «خاصة» أن إجابات هذه الأسئلة لابد أن تكون متوافقة مع أسئلة المدرس وإلا رسبوا.. وإذا حدث هذا فسوف تفتح الأبواب لكل المدرسين واضعى الامتحانات لفرض آرائهم فى كل شىء «الفن والإعلام والسياسة والأخلاق والدين»، وهى مصيبة تضاف إلى مصيبة المناهج الركيكة المليئة بالأخطاء، والتى تقوم على الترديد والحفظ ثم تضاف إلى مصيبة «النماذج» التى يحفظها التلاميذ دون مناقشة أو فهم أو إبداء رأى.. وشيئاً فشىء سوف تتحول الامتحانات إلى صفحات من النقد الفنى، بها أسماء الممثلين والراقصات والمغنيين ومقدمى البرامج، وربما وجدنا من يسب فى الجميع ويكفّر الفن ويحرّم السينما والتليفزيون والصحافة وتعليم البنات وعمل المرأة.. أما مقولة إن الفيلم يسىء للمعلم، فالحقيقة أنه لا يوجد عمل فنى «مسىء» ولكن يوجد عمل فنى «سيئ»، والنموذج المثالى لا يصلح للتجسيد فى فيلم أو مسلسل، والدراما بشكل عام تقوم على المفارقة والخيال والافتراض، وإذا كان الصحفيون يتذمرون بسبب عمل فنى به صحفى فاسد، والمحامون يرفعون القضايا بسبب عمل فنى به محامٍ فاسد ثم الموظفون والأطباء والضباط والقضاة والوزراء وأعضاء مجلس الشعب ورجال الأعمال.. إذن فالجميع أسوياء وشرفاء ونماذج يحتذى بها وليس هناك استثناء واحد.. من إذن الفاسدون، ومن هم الذين تتصدر أسماؤهم صفحات الحوادث؟! ذكرتنى هذه المقولة «بسمعة مصر» التى أصبحت رقيقة وضعيفة وهشة وقابلة للكسر بسبب فيلم أو مسلسل أو جريدة أو صورة.. وهذا الهزل الذى يقيد حرية الفكر والرأى والإبداع هو الشىء الوحيد الذى يسىء لسمعة مصر.. هذه السمعة التى يشوهها فى المقام الأول مستوى الخريجين العلمى وترتيب جامعاتنا بالنسبة لجامعات العالم والذى تراجع للخلف فى الأعوام الخمسين الماضية، حتى أصبح فى المؤخرة بجدارة، بينما تقدمت جامعات إسرائيل للصفوف الأولى. ومن أظرف التعليقات أننى ربما أصابتنى عقدة نفسية تجاه المدرسين، بسبب مدرس فاسد علمنى فى الصغر.. وقد ذكّرنى هذا التعليق ب«أبلة دولت»، هذه المعلمة الرقيقة التى جعلتنى أقرأ الصحف وأنا فى الصف الثانى الابتدائى، و«الشيخ طه» الأزهرى المعمم الذى أُرجع له الفضل الأول فى حبى للغة العربية وعشقى للقراءة والمعرفة وحب الشعر، ومازلت أذكر شرحه للموسيقى والنغم الخفى فى الشعر، وجملته الشهيرة عندما تقرأ إحدانا الشعر صحيحاً: «فتح الله عليك» وكنا فى السنة الثانية الإعدادية.. كذلك أستاذى فى المرحلة الثانوية الأستاذ «عبدالرحمن» الذى كان يفتح لنا باب المناقشة فى الميثاق، وكنت أتسبب فى ضياع وقت الحصة من شدة حماسى للميثاق والاستماتة فى الدفاع عنه وعن واضعه، إذا بدرت من الأستاذ عبدالرحمن بادرة نقد.. رحم الله الجميع.. كانوا مربين ومعلمين بحق، وكان التعليم فى آخر مراحله المحترمة، والحمد لله أن لحقنا بآخر قطار قبل أن ترتفع راية التعليم فوق الميكروباص والتوك توك.