أحييك كثيراً، وأقدر حملتك الواعية فى قضية النحت والتماثيل.. واسمح لى أن أقول: إن سبب إحجام المصريين عن الالتحاق بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة هو أن الشارع المصرى -بتأثير الواعظ المصرى- بات يؤمن بأن التماثيل حرام! وهذا يبتعد عن الصواب لما يلى: 1- أن أحكام الإسلام نزل بها كتاب الله، والمحرمات ذكرت فى آياته، وهذه نماذج لها: - «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله». - «وأحل الله البيع وحرم الربا». - «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق». - «قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن». وإذا طوّفنا بكل آيات القرآن الكريم، لن نجد أمراً بتحريم التماثيل، وهذا يدل على عدم التحريم، لأنها لو كانت كذلك لذكرها الله فى كتابه، حيث قال: «ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء». 2- إن الذى أشار إلى التحريم هو «حديث آحاد» منسوب للنبى (عليه الصلاة والسلام) جاء فيه: إن الملائكة لا تدخل منزلاً فيه تماثيل! ودخول الملائكة منزلاً، وكل شؤونها الأخرى، هو أمر غيبى، يدخل -من الدين- فى باب «العقائد»، وقد اتفق العلماء على أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد، وإنما تثبت بالقرآن قطعى الثبوت بما كان من آياته قطعى الدلالة. ومما يزيد الشك فى هذا الحديث أن ثمة رواية أخرى عن النبى تقول: الحلال ما أحله الله فى كتابه، والحرام ما حرمه فى كتابه. وعلى الإجمال فإن جميع الأحاديث (وتسمى أخباراً أو روايات) تتصف بالظنية وليس بالقطعية، أى أن ورودها عن رسول الله غير قطعى.. وقد قال فى ذلك الإمام الشيخ «محمود شلتوت» فى كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة»: «أحاديث الآحاد فى اتصالها بالرسول شبهة فلا تفيد اليقين، ولا فرق فى ذلك بين أحاديث الصحيحين وغيرهما». وحتى إن صحت هذه الأحاديث، فيجب وضعها ضمن قاعدة تقول: «علينا اعتبار الأحاديث المتعلقة بالحلال والحرام والحدود، والتى لم يرد فيها نص فى كتاب الله على أنها أحاديث مرحلية، مثل الغناء والموسيقى والتصوير والنحت، واعتبارها أحاديث قيلت فى حينها حسب الظروف السائدة». 3- هذا من وجهة النقل، فإذا ناقشنا المسألة من ناحية العقل، نجد أن العقل يرفض التحريم، لأن الدين يشتمل على: العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق.. وصُنع التماثيل لا يقع تحت هذه الشّعب جميعاً.. إنما التماثيل فن جميل يدخل ضمن الزينة، التى قال عنها الله عز وجل: «قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق». وهكذا نرى أن تحريم النحت لم يرد به النص الصحيح، ولا يقبله العقل الصريح.. لكن مع الأسف، لايزال المشايخ الكبار يلوكون هذه الروايات، بينما الرأى الآخر مسكوت عنه! فهل ننتظر حتى يأتى اليوم الذى تغلق فيه أبواب «كلية الفنون الجميلة»؟. هذا نص الرسالة التى وصلت «صوت وصورة» من اللواء مهندس محمد شبل. [email protected]