أطلقت مجموعة من النشطاء المصريين، عبر موقع فيس بوك مئات الآلاف من التوقيعات، التى أشادت بالموقف المشرف لرئيس الوزراء التركى، كما تضمنت هذه التوقيعات الإعلان عن مبايعة "أردوغان" كخليفة لكل مسلمى العالم. تصورًا إلى هذا الحد بلغ الإعجاب بموقف رئيس الوزراء التركى، الذى واجه "شيمون بيريز" بكلام حاد حول ما ارتكبته إسرائيل من جرائم ضد الإنسانية فى غزة. وقد بدأ آخرون فى استرجاع موقف السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى الذى رفض أن يبيع فلسطين لليهود، ليعود إلى الذاكرة من جديد الحديث عن الخلافة كأصل من أصول الحكم فى الإسلام. ولاشك أن ترديد هذه الأفكار يمكن أن يصف لنا حالة الشطط فى التفكير، التى يمكن أن يقع فيها البشر، الذين يشعرون بالضعف والمهانة عندما يفرطون فى الإعجاب بنموذج الرجل القوى الذى قدمه رجب طيب أردوغان والذى داعب ببراعة أحلام الضعفاء من المصريين. واهتم أغلب من تناولوا هذا الموقف بالمقارنة بين موقف "رجب طيب أردوغان" الذى امتلك الجرأة والشجاعة على الحديث الصريح، وموقف السيد "عمرو موسى" الأمين العام للجامعة العربية الذى كان يجلس ساكتاً واضعاً يده على خده وهو يستمع إلى دوى الطلقات التركية، بل ظل جالساً حتى بعد انسحاب" أردوغان، اعتراضاً على عدم منحه الفرصة كاملة للكلام. لقد شعر الكثيرون بالإحباط خصوصاً من ينظرون إلى عمرو موسى كزعيم له شعبية اكتسبها -فيما سبق- من تصريحاته الحادة والقوية -عندما كان وزيراً لخارجية مصر- إزاء العبث الإسرائيلى فى المنطقة. تلك التصريحات التى أهلته لأن يتردد اسمه على لسان المطرب الشعبى "شعبان عبد الرحيم" عندما غنى "أنا بكره إسرائيل" وذكر فيها حبه ل"عمرو موسى". فالمصريون الذين قتلهم الإحساس بالضعف والمهانة يبحثون عن أى حلم بالقوة، حتى ولو كان مستنداً إلى مجرد الكلام الذى "يفش غلهم" إزاء غطرسة القوة الإسرائيلية. لذلك فكما أعجبوا بالأمس ب"عمرو موسى" وغضبوا على غيره، إذا بهم اليوم يغضبون عليه ويحتفون ب"أردوغان" ويطالب بعضهم بتنصيبه خليفة على المسلمين! والمشكلة أن المصريين الودعاء لا يجتهدون فى الربط بين طبيعة الحاكم وخصائص الشعب الذى يحكمه، فأردوغان ليس فرداً استثنائياً فى المجتمع التركى، بل هو إفراز للشعب الذى انتخبه والذى يقيم حياته على أساس الديمقراطية فى الاختيار، والمحافظة على التقاليد والأفكار الأساسية التى يقوم عليها المجتمع، وتقديم تجربة اقتصادية ناجحة أصبح لها حضور قوى على المستوى الدولى، وبناء سياسة خارجية ترسم دوراً إقليمياً قوياً لتركيا يتناسب مع حجم نموها الداخلى. أما القيادات لدينا فهى إفراز لطبيعتنا وخصائصنا كشعب لا يستطيع أن ينتج أفضل مما هو موجود، وبالتالى فقد جاء موقف السيد "عمرو موسى" الذى وصفه البعض بالعجز وقلة الحيلة تعبيراً عن حالة الشعب العاجز وقليل الحيلة. ويكفى أن نشير فى هذا السياق إلى موقف سابق للسيد عمرو موسى عندما سُئِل عما يتردد فى الشارع المصري، وكذلك على ألسنة النخب المثقفة، من أنه ينوى ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2011، لقد راوغ الرجل فى الإجابة وقال إن هذا الأمر سابق لأوانه، وبالتالى فهو يرفض الحديث عنه. وقد عبر "موسى" فى إجابته عن حالة مصرية عامة -تميز الشعب كما تميز القيادات- وهى حالة الخوف من الإجابة الصريحة، فماذا لو قال الرجل إنه ينوى بالفعل الترشح للانتخابات، وإنه يريد أن يكون رئيساً لمصر؟ إنه الخوف من عواقب الإجابة، وهو نفسه الخوف الذى يدعو أى مصرى طامح إلى رئاسة أى موقع أو مؤسسة إلى أن يكرر باستمرار أمام الرئيس الحالى أنه لا يفكر مطلقاً فى أن يكون خليفة له، رغم أنه يحلم بذلك ليل نهار! السيد عمرو موسى كان مصرياً صميماً فى أدائه أمام شيمون بيريز، ورجب طيب أردوغان كان تركياً صميماً فى الموقف نفسه. فكلاهما كان إفرازاً لطبيعة الشعب الذى أنتجه. ومن المؤكد أن تفكير المصريين فى استيراد خواجة تركى أو إيرانى أو أمريكانى لكى يقود مسيرتهم يعبر فى الأساس عن حالة من حالات اليأس من الذات تترجم إلى إحساس باليأس من القيادات! ذلك ما يجب أخذه فى الاعتبار عند تفسير حالة التراجع فى شعبية "عمرو موسى" منذ أن تولى أمانة جامعة الدول العربية. فقد بدا الأمر وكأنه محاولة لتصفية شعبيته ليصبح "ورقة ضعيفة "فى أى منافسات انتخابية قادمة، وكعادتنا جميعاً كمصريين -لا نحب التمرد على"القسم " -بادر الرجل إلى العمل فى ظروف غامضة تحت راية الجامعة العربية، وبدأ يخسر الموقف تلو الآخر، وبدأت شعبيته فى الانحسار بعد أن خذلته المواقف، فاضطر هو الآخر إلى خذلان الناس فيما يتخذه من مواقف. وقد تساءل البعض -أمام هذا المشهد- وقالوا: لماذا لا يقدم عمرو موسى استقالته من جامعة الدول العربية؟ وهو سؤال غير مقبول، خصوصاً عندما يأتى على لسان واحد من المصريين، لأن أحداً فى هذا البلد لا يقدم استقالته من منصبه أو موقعه القيادى لمجرد فشله فى إدارة المؤسسة التى يجلس على عرشها، سواء كانت أسباب الفشل متعلقة به فى ذاته أو مرتبطة بظروف المؤسسة ككل. فنحن شعب لا يحب أى فرد فيه أن يترك موقعه "القيادى"، إلا إذا تم استبعاده منه بفعل قوة أكبر قادرة على فرض قرارها عليه، أو لأسباب قدرية بحتة ترتبط بقضاء الله! لذلك كان أمين جامعة الدول العربية تعبيراً "أميناً" عن واقع المصريين، وما يدعو إلى الاستغراب حقاً هو ذلك الموقف الغاضب منه بسبب سكوته حين تحدث أردوغان، واستمراره فى الجلوس حين غادر الأخير منتدى دافوس، رغم أن الرجل عبر عن حالة المصريين بامتياز، كما عبر أردوغان عن حالة الشعب التركى بامتياز أيضاً. ف"موسى" كان يعبر ببساطة عن "الفرعون" المصرى!