يعانى الرئيس «أوباما» من إحباط شديد هذه الأيام، وهو لا يدارى إحباطه، ولكن يعلنه على الناس.. وسبب الإحباط أن الرئيس كان قد رشح «توم داشيل» ليكون وزيراً للصحة، ثم تبين أن المرشح ليس أهلاً لثقة الرئيس، ولاتزال الحكاية موضع اهتمام الرأى العام فى أمريكا، وفى خارجها.. ولاتزال عناوين رئيسية فى الصحف! وقد قيل - مجرد كلام - عن أن «داشيل» لم يسدد ضرائبه عن 130 ألف دولار، من إيراده خلال العام الماضى... وفى الولاياتالمتحدة يقولون دوماً إن شيئين لا يستطيع أى أمريكى الهروب منهما: الضرائب والموت! ويكفى هناك لإسقاط اعتبار أى مواطن أن تثبت أى جهة أنه لم يسدد ضرائبه،.. ولم يكن أمام «أوباما» إلا أن يعتذر للشعب الأمريكى على الملأ، وأن يعلن أمام خمس قنوات تليفزيونية أنه نادم على هذا الخطأ الفادح الذى وقع فيه، ويطلب العفو والمغفرة من الشعب، ثم راح يوبّخ نفسه بعنف وقسوة، ويوبّخ فريق العمل الذى يقف إلى جواره! وانسحب «داشيل» فعلاً، ولم يعد مرشحاً لأى منصب، لا الآن، ولا فى المستقبل، وقال السيناتور «جون أسين» عن ولاية نيفادا، إن انسحاب «داشيل» أنقذ الرئيس من حرج بالغ، كان سوف يواجهه، حين يقف المرشح أمام جلسة استماع مفتوحة فى مجلس الشيوخ تقرر وحدها ما إذا كان أى مرشح، لأى موقع، يصلح له، أم لا! وكان المعنى الذى أراد الرئيس الأمريكى أن يصل به إلى الناس، أنه لا فرق مطلقاً، بين المواطن العادى، وبين أى شخصية عامة ذات نفوذ، أمام القانون. إلى هذه الدرجة، تحرص الإدارة الحاكمة، على أن تكون صورة مرشحيها ومسؤوليها، بيضاء أمام الملايين من أفراد الشعب... ولابد أن واقعة من هذا النوع تجعلنا نتساءل عما يجب أن يكون عليه كل شخص يتصدى للعمل العام، من حيث النظافة والشرف! ونرجو أن ننتبه، إلى أن الرئيس هناك، لم ينتظر حتى يدان المرشح فى تهربه من الضرائب، وإنما كان مجرد وجود تساؤلات وعلامات استفهام من حوله، كافياً لإقصائه فوراً، عن تمثيل الناس فى وظيفة عامة! وليس من المقبول، أن ننتظر حتى يكون المرشح لوظيفة من هذا النوع، محل تحقيقات، ثم سؤال وجواب، إلى أن يصل لمرحلة الإدانة فى آخر المطاف!.. فالغبار، مجرد الغبار، لا يجوز أن يلتصق بالساسة، والوزراء، والمسؤولين، وأعضاء المجالس النيابية، وإذا لم يكن الشخص الراغب فى العمل العام، ناصعاً فى صورته، وسمعته، فلا مجال لأن يكون له مكان فى أى موقع عام. ولابد أن مثل هذه المعانى، تجعلنا نتذكر الراحل توفيق دياب، حين وقف يوماً يقول فى ذكرى عيد الجهاد: فى أيامك كم طهر الشرف الوطنى نفوس الفجار... أما بعد أيامك، فكم خفنا حتى على نفوس الشرفاء! وقد مات الكبير توفيق دياب، عام 1967، ولم يكن من حظه أن يعيش إلى اليوم، ليرى «الشرف» الذى كان يتجسد أمامه فى عيد الجهاد، وذكراه، ثم «القرف» الذى نعيشه هذه الأيام!