عندما وقّعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، تعرضت الشقيقة العربية الكبرى للمقاطعة من شقيقاتها الصغيرات، وتكونت جبهة الرفض التى كالت لمصر الاتهامات والإهانات والضربات، ونقلت الجامعة العربية وحدث ما نعلمه جميعاً من قطيعة استمرت سنوات. وبعدما تولى الرئيس مبارك، حرص على وحدة الصف العربى وتغاضى عن المهاترات والصغائر وأعاد الجامعة العربية إلى مصر وأعاد الوئام العربى لسنوات طويلة، ولكن بعد العدوان الإسرائيلى على غزة، عاد بعض الصغار من العرب لكى يكرروا ما حدث بعد توقيع معاهدة السلام ولكى يتهموا مصر بكل التهم المشابهة لما اتهموها بها من قبل. ورغم البذاءات التى صدرت عن البعض، فإن مصر ترفعت عن مجاراتهم، ولم يكن هذا خطاب الرئيس مبارك وحده، بل كان خطاب مصر الدولة، بل حرص الجميع من قادة الدولة على التأكيد على انتماء مصر وحرصها على عروبتها. وفى المؤتمر الذى عقده الحزب الوطنى بالقاهرة الذى رأسه الدكتور محمد الغمراوى، أمين العاصمة، وحضره الدكتور زكريا عزمى، الأمين العام المساعد، والمئات من أعضاء الحزب وقياداته، قال جمال مبارك أمين السياسات بالحزب: «ماحدش هايدينا محاضرات فى وطنيتنا العربية». قال هذا مختصرا حديثا مطولا عن انتماء مصر العربى ووطنيتها وقوميتها التى لا يمكن لأحد أن ينزعها منها. كان حديث جمال مبارك يمتلئ بالمرارة من استخدام البعض قاموسا مليئا بعبارات التخوين ضد مصر، التى استمرت على سياستها الثابتة تجاه فلسطين، التى خاضت الحروب من أجلها، والتى اشترطت فى اتفاقها مع إسرائيل على سلام عربى شامل يكون الفلسطينيون فى مقدمته، وتساءل جمال مبارك: ماذا لو أن الرئيس السادات لم يقم بمبادرته للسلام؟ إن الفلسطينيين الآن يتمنون أقل مما كان سيعطيهم اتفاقاً شاملاً للسلام، ولكن إسرائيل ترفض أن تعطيهم هذا الفتات. لقد جاء حديث جمال مبارك لكى يؤكد أن الحزب الوطنى حزب عروبى وقومى أيضا، وبعد أن اعتقد البعض أن الحزب تخلى عن عروبة مصر، جاءت التعديلات الدستورية لتؤكد تمسك الحزب بانتمائه وتمسكه بوجود الفقرة الثانية من المادة الأولى من الدستور، التى تؤكد أن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة. وهو ما يرتفع به الصوت عاليا داخل الحزب من أعضائه وقياداته. وبغض النظر عما حدث من الأشقاء العرب ضد مصر أثناء العدوان على غزة الذى وقفت مصر ضده وتحركت على كل الأصعدة لوقفه، فإن الخطاب المصرى لم يتردد مرة واحدة فى التأكيد على عروبة هذا البلد، وهو ما كرره جمال مبارك عندما قال إن مصيرنا ومستقبلنا هو العالم العربى والقضية الفلسطينية، واستعادة كل شبر من الأرض العربية المحتلة. لقد استمرت مصر ثابتة على مواقفها تجاه الأشقاء العرب حتى بعدما حدث من جبهة الرفض بعد توقيع معاهدة السلام، واستمر الأشقاء أيضا على تناحرهم وتشتتهم وفرقتهم، ولم يستفيدوا من خبرة الأيام والسنين، واستطاعت دول إقليمية مثل إيران التلاعب بمشاعرهم والتسلل داخل عواطفهم، مداعبة أحلام الزعامة لدى البعض، ومثيرة مشاعر الخوف لدى آخرين لتحقيق طموحاتها القومية على حساب مصر ودورها العربى، مدركة أن وجود مصر يعد مانعا لتواجد أى قوميات أخرى تتربص بالعرب، بينما عدم وجود مصر فى المعادلة العربية يجعل الأشقاء لقمة سائغة لإيران وإسرائيل وغيرهما. لقد أجاب جمال مبارك على أسئلة أعضاء المؤتمر الذى انعقد لمساندة غزة، وجاء معظمها عن العلاقات العربية العربية، ومستقبل المنطقة، وكان منها سؤال عن سوريا وعلاقة مصر التاريخية والوحدوية بها، ولم يتردد جمال فى أن يؤكد أن مصر سوف تستمر دائما سندا لسوريا لكى تستعيد أراضيها المحتلة. ولقد عبر جمال بهذا عن مشاعر كل مصرى تجاه الأشقاء العرب، وآمل أن نرى فى الفترة المقبلة لغة إعلامية وصحفية ترقى بالشعور العروبى والقومى، وأن تسهم برقى فى التعبير عن مشاعر وتوجهات المصريين نحو أبناء الأمة الواحدة، وأن يعوض الإعلام الفشل الكبير الذى عانينا منه جميعا أثناء العدوان الوحشى العسكرى الإسرائيلى على غزة، والعدوان الوحشى الإعلامى الجزء عربى على مصر.