تتسع دائرة القوى الدولية التى ستشارك فى الرقابة البحرية والبرية على تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وتزداد الجهات التى سيوكل إليها القيام بهذه المهمة مثل كرة الثلج، ويصدر فى كل يوم إعلان جديد عن انضمام دولة أو قطع عسكرية تابعة لهذه الدولة إلى المراقبة الدولية لعملية تهريب السلاح. ويكشف الإعلان من واشنطن عن أن إدارة الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما تعد لمؤتمر دولى بمشاركة إسرائيل ودول أوروبية رئيسة بهدف جعل اتفاق وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس مع نظيرتها الإسرائيلية تسيبى ليفنى، حول مكافحة تهريب الأسلحة من البحر عبر استخدام وسائل المراقبة فائقة التقنية وتسيير دوريات بحرية قبالة غزة، يكشف عن أن ترتيبات إنهاء الحرب على غزة من قبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش شارك فيها فريق أوباما، الذى يتولى متابعة وجهة هذه الترتيبات وبلورتها بعد تسلم أوباما مقاليد الحكم. وهو أمر ليس بجديد فى تقاليد المراحل الانتقالية للحكم فى الولاياتالمتحدة. ولطالما قامت الإدارة المغادرة قبل تسليمها زمام الأمور، بخطوات لمصلحة الإدارة الآتية «بالاتفاق معها»، فتتولى هى مسؤولية هذه الخطوات نيابة عن الإدارة الجديدة، وتتحمل هى عنها سلبياتها، لاسيما إذا كانت عسكرية، على أن تتلقف الإدارة الجديدة النتائج وتبنى وتؤسس عليها مرحلة جديدة من الخطوات. هكذا كان قصف إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون فى عام 2000 العراق بقوة قبل أسبوعين من تسليمه مقاليد الأمور إلى الرئيس جورج بوش تمهيداً للسياسة الهجومية التى عاد الأخير فاتبعها فى مواجهة العراق لاحقاً وصولاً إلى اجتياحه فى عام 2003. ومن الطبيعى أن ينظر كُثر إلى الحرب التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة، بتأييد أمريكى واضح، والتى كانت يتوقعها أكثر المراقبين، على أن هذا التأييد لها من قبل إدارة بوش، هو بالنيابة عن إدارة أوباما قبل تسلمها زمام الأمور، لأن الهدف منها إضعاف ورقة مهمة من أوراق إيران «ومعها سوريا» قبل الحوار معها «أو معهما» على الملف النووى الإيرانى والوضع العام فى المنطقة. هكذا يتسلم أوباما مهماته «نظيف اليدين» من الدم الفلسطينى، لكنه يتابع الضغوط الهادفة إلى «تعطيل» جزء من قدرات «حماس»، بموازاة تسريعه خطواته لاستثمار بعض نتائج «العمل القذر» الذى قامت به إسرائيل بتغطية وتأييد كاملين من إدارة بوش. وإذا كان تعيين السيناتور جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً لأوباما إلى الشرق الأوسط يؤشر على إحياء عملية السلام لأن الرجل يرمز إلى صفة «الوسيط النزيه» بسبب تقريره عن أسباب المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وهو من الخطوات الإيجابية، فإن هذا لا يلغى أن إدارة أوباما تستثمر الحرب التى شُنت على غزة، فى مرحلة العمل الدبلوماسى التى تعقبها. ويبدو أن الرقابة على تهريب الأسلحة هى واحدة من الخطوات الأولى التى تدل على اتفاق مسبق على هذا الأمر، بدليل أن الدول التى أخذت تساهم فى هذه الرقابة تكر كحبات السبحة، فتسحب فرنسا سفينتين من قبالة الشاطئ اللبنانى، بعد إرسالها فرقاطة إلى قبالة غزة، فيما ستخفف ألمانيا من قطعاتها قبالة لبنان لمصلحة إرسالها إلى الشاطئ الفلسطينى.. تمهيداً لتوزيع المهمات بين دول أوروبية وعربية عدة فى هذا المجال وفق ما تسرب عن نية واشنطن الدعوة إلى مؤتمر فى كوبنهاجن لهذا الغرض. لكن التعاون الدولى فى الرقابة على السلاح ليس مسألة جديدة نشأت مع نهاية إدارة بوش وبداية إدارة أوباما. فهذا التعاون بدأ قبل سنوات وتعمق فى القرار الدولى 1701 الذى أنهى الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006. والواضح أن ثمة قراراً دولياً بتجريد الفلسطينيين من القدرة على الحصول على السلاح والمزيد من الصواريخ، بموازاة تجريد إيران من القدرة على استخدام أوراقها «أو بعضها» الإقليمية عسكرياً، مقابل التفاوض معها على الأوراق الأخرى «العراق». وإذا كانت الرقابة على الشواطئ الفلسطينية ستشغل الغرب خلال الأشهر المقبلة، فى هذا السياق، فإن الرقابة الدولية على الحدود اللبنانية - السورية ستكون، وفق بعض الأوساط الأوروبية، عنصراً مهماً سيلقى المزيد من المتابعة والملاحقة، بل إن هذه الأوساط تعتبر أن مسألة إنهاء المواقع الفلسطينية المسلحة خارج المخيمات ستكون موضع تركيز وضغوط فى الأشهر المقبلة، لأنها حلقة من حلقات وقف عمليات التسلح. وليس مصادفة أنها كانت مدار النقاش خلال زيارة وزير الدفاع اللبنانى إلياس المر لدمشق أمس الأول. وليد شقير نقلاً عن صحيفة «الحياة»