«ليس وحيد إخوته، ولم يكن أولهم بل كان آخرهم فى الترتيب، كان يلهو كغيره من الصغار ويردد بعض الكلمات التى كان يسمعها من الأغانى.. لا يمكن أن تظنه طفلاً مصاباً بمرض ما، فهو جميل الوجه، وزنه طبيعى.. لا يختلف كثيراً عن غيره من الصغار، كل ما يميزه أنه سريع الحركة».. بهذه الكلمات وصفت سهير المازنى ولدها أحمد المصاب بالتوحد، ورغم المشقة التى تكبدتها معه حتى يخرج من وحدته التى فرضها عليه المرض، فإنه كثيراً ما كان يرفض تلك المحاولات ويضع نفسه فى دولاب المنزل بعدما يخرج كل ما به من ملابس، ثم يقوم بغلق الباب عليه. لم تشعر السيدة سهير فى البداية بمرض طفلها، على الأقل لم تكن ترى فرقاً بينه وبين إخوته، فقط.. كان لا يندفع نحوها إذا غابت عنه وقتاً طويلاً، ولا يرغب فى تقبيلها كأى طفل صغير فى سنوات عمره الأولى.. هذا الإحساس وحده - كما تروى سهير - كان فارقاً فى علاقتها بابنها... شعرت فى لحظة عابرة أنه لا يحبها. وفى أحيان كثيرة كانت تشفق عليه ولا تدرى ماذا به، - فهو كأى أخ من إخوته - يلعب ويتحرك ويردد كلمات الأغانى.. لم تظهر عليه أى أعراض مرضية، لكنه كان دائم الحركة بشكل عشوائى، ويهوى تسلق الأشياء من حوله بطريقة لافتة للنظر. لم تشعر الأم بمرض ابنها إلا عندما وجهت إليه كلاماً أكثر من مرة ووجدته لا يعيرها انتباهاً كما أنه لا يلتفت إلى سماع اسمه إذا ما ناداه أحد من أفراد بيته.. تراكمات ردود أفعاله غير الطبيعية أدخلت الشكوك فى قلب أمه وظنته مصاباً بمرض عقلى ما. تقول سهير: «ذهبت به إلى أحد أطباء الأطفال وشخّص الحالة حينها على أنها صرع.. وبدأ طفلى فى تناول أدوية الصرع لكن حالته ازدادت سوءاً، فتوجهت به إلى طبيب آخر وعرضت الحالة عليه فطلب منى إجراء فحوصات على المخ وعلى السمع، وكانت النتائج إيجابية الأمر الذى يعنى خطأ فى التشخيص الأول، إلى أن قال لى أحد الأطباء إن هذه أعراض مرض التوحد». منذ تلك اللحظات بدأت رحلة سهير مع «التوحد»، الذى لم تكن تعرف عنه شيئاً قبل مرض ابنها، وتحكى: «بعدها بدأت أتعرف على علاج مرض التوحد.. عرفت أنه ليس بالأدوية ولكنه بطرق تعليمية محددة لتعليم كيفية الاندماج فى المجتمع، وهو ما جعلنى أدخله إحدى جمعيات رعاية الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، وبدأوا معه العلاج بجلسات فردية لتعليمه طريقة التحدث وطريقة استخدام الأشياء من حوله». المشكلة - كما تقول سهير - أن علاج مريض التوحد لا يقف عند عدد الساعات القليلة التى يتعلمها فى الجمعية، ولكن الطفل يحتاج رعاية أخرى من أهله، كما يحتاج معاملة تدعمه من أجل الاندماج فى المجتمع بشكل يجعله كأى طفل عادى، ولكنه يختلف نسبياً عن غيره فى كونه يظل بحاجة إلى رعاية خاصة طوال فترة حياته. الأمل الذى راود سهير فى أن يصبح ابنها من أشهر المتخصصين فى الأدوات الإلكترونية لم ينقطع لحظة واحدة حتى مع أسوأ حالاته المرضية، كما تروى، وهو ما منحها القوة لكى تصل بطفلها إلى المرحلة الإعدادية، وستواصل معه حتى «أعلى الدرجات العلمية»، على حد تعبيرها، فهى تقول إن طفلها فى دراسته لا يستطيع استرجاع قصص تعلمها من قبل ولكنه بارع فى المسائل الحسابية، ومن الصعب عليه أن يكتب أى كلمة فى موضوع من موضوعات التعبير لأنه لا يستطيع أن يتخيل. لا تزال سهير تستكمل مشوارها فى علاج طفلها من التوحد، ولا تزال تحلم بأن يكون لدى كل أسرة معلومات عن هذا المرض، حتى لا تقع فريسة التشخيص الخاطئ كما حدث لابنها.