انتهينا إلى أن العلاقات المصرية - الأمريكية فى نهاية إدارة جورج بوش الابن، أخذت شكل المباراة التى تعبر عن «إشكالية استراتيجية». وتم تعريف هذه المباراة بأنها المباراة التى تتنازع التطور والتغيير فيها عوامل متناقضة وضرورية فى آن الوقت، ولكن أيضا هى المباراة التى تتطلب تحويل العلاقة فيها إلى علاقة تتصف باتساق تفاعلى إما إلى صدمة كبيرة أو رؤية استراتيجية مشتركة أعلى وأسمى بين الطرفين، تسمح باختزال جوانب التناقض الحاد والكامن فى العلاقة وتحويله إلى نقاط اتصال محددة ومتواصلة واضحة ومتوالية، وبالتالى يمكن إدارتها بأسلوب منهجى دقيق. فى هذا السياق، تم تحديد أربع قضايا رئيسية فى هذه المباراة، وتعاملنا مع القضية الأولى طبيعة العلاقات بشأن الديمقراطية فى مصر وتأثيرها على العلاقات الأمريكية من قبل، والآن نأتى إلى القضايا الثلاث التالية: ثانيها، قضية طبيعة العلاقات المصرية مع إسرائيل، تعتبر العلاقات المصرية - الأمريكية من المنظور الأمريكى هى ركن بنائى مهم ومحورى فى السلام فى الشرق الأوسط، بينما من المنظور المصرى هى ركن وظيفى ضرورى فى توليد السلام، والفرق شاسع بين الاعتبارين، فمفهوم الركن البنائى يقول إن إسرائيل كما هى الآن ضرورية لبناء السلام، بينما المفهوم الوظيفى يقول إنه إذا أرادت إسرائيل أن تندمج فى الشرق الأوسط فلابد لها أن تغير الكثير من سلوكها الدولى والإقليمى مما يسهل ويسمح بالدمج الفعال فى المنطقة. المفهومان يريدان دمج إسرائيل فى المنطقه، الأول، الأمريكى، يريدها من خلال قدرتها على الهيمنة الإقليمية، بينما الثانى، المصرى، من خلال تحويلها إلى لاعب رئيسى من ضمن لاعبين رئيسيين - أساسا - عرب. المفهوم الأول خطة للهيمنة الاستعمارية وواحدى، بينما الثانى ديناميكى وقائم على تصميم بناء تفاعلى مشترك لنمط جديد من الهيمنة الإقليمية المشتركة. الأول ضد المعتدلين والمتشددين العرب معا، بينما الآخر يسمح للمعتدلين العرب فى التأثير الإيجابى على الأمن الإسرائيلى ويخفض سقفه نحو بناء خلق مجال للسلام الإقليمى، فتنهض الدولة الفلسطينية القادرة على الحياة وغير الراديكالية فى توجهها. مصر والسعودية تقودان الموقف الثانى، بينما مازالت أمريكا لا ترى إلا الموقف الأول. وثالثها، الاقتراب من المصالح الأمريكية العليا، ونعنى: إلى أى مدى تُشبِع العلاقة بين مصر وأمريكا بأشكالها المختلفة، المصالح الأساسية للأمن القومى الأمريكى؟ تعتبر هذه القضية ذات أوجه عدة. ترى مصر العلاقات مع أمريكا يجب أن تكون علاقات تبادلية، بمعنى أن العلاقة يجب أن تكون، مرة أخرى، وظيفية فى المقام الأول، فتكون غير متمددة داخل العلاقات المصرية - الأمريكية، تُغير بالتالى بنائيا علاقات الدولة بالمجتمع فى مصر. ويرجع الموقف المصرى إلى مجموعتين من العوامل: أولاها، ميراث الثقافة السياسية الذى يرى محدودية التشابه مع الثقافة السياسية الأمريكية، وأن العلاقة الصحيحة يجب ألا تقوم على التشابه والانتماء، ولكن على مدى الاحتياج المتبادل، ثانيها، أن مصر بسبب تنوع احتياجاتها الراجع لتعقد مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، دائما فى احتياج إلى طبائع أخرى من العلاقات الدولية والسياسية، لا توفرها العلاقات الدولية والاستراتيجية مع أمريكا. فى قول آخر، إن الاحتياج لأمريكا من المنظور المصرى ضرورى ومهم - أساسا وظيفى - وليس دائما، فربما ينبع الاحتياج المؤسسى المصرى إلى دول أو قوى أخرى لا تكون متوافقة بشكل كبير مع المصالح الأمريكية العليا. ولمعرفة أمريكا بهذه الطبيعة الاستراتيجية المصرية أخذت حذرها، وقامت ببناء علاقات مصلحية جوهرية فى خدمة المصالح العليا الأمريكية مع قوى وطوائف وفئات مصرية، مما أدى إلى انزعاج حقيقى على الجانب المؤسسى المصرى، مما أورث العلاقات المتبادلة شجوناً ومشاعر حادة ومتناقضة. أما القضية الرابعة فهى المنهجية المصرية لبناء القوة الدولية المصرية.. فإلى المقال المقبل.