ساد الهدوء قطاع غزة أمس لليوم الثانى على التوالى بعد إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد وواصلت قواتها الانسحاب «التدريجى» من أنحاء متفرقة من القطاع، وإثر تأكيد حماس وفصائل فلسطينية وقف إطلاق النار، ومنح قوات الاحتلال أسبوعا لإنهاء الانسحاب من القطاع الذى خيمت عليه مشاهد الدمار الهائل، بدأت الحياة تدب فى أنحاء القطاع المنكوب وفتحت المحال التجارية والبنوك أبوابها، وعادت حركة السيارات التى أصيبت بشلل تام خلال 22 يوماً من المجزرة الإسرائيلية، بينما عاودت شرطة حماس انتشارها وممارسة سلطتها، لتبرهن أنها لا تزال موجودة، بينما أفاق المواطنون على مشاهد مرعبة من الدماء والدمار الهائل نتيجة القصف الإسرائيلى الشرس، مستغلين حالة الهدوء فى البحث عن جثث الشهداء تحت الأنقاض. وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلى إن «هدوءًا تاما يسود القطاع ولم يسجل أى نشاط طوال الليلة قبل الماضية»، كما تحدثت مصادر أمنية فلسطينية عن هدوء تام فى القطاع، بينما أطلقت الزوارق الحربية الإسرائيلية أكثر من 20 قذيفة على شواطئ غزةوجنوب القطاع دون أن تسفر عن وقوع إصابات، فيما لاتزال الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق فوق سماء غزة، مما يسبب الذعر للمواطنين، وبلغ عدد شهداء المجازر الإسرائيلية أكثر من 1310، بينهم 418 طفلا و111 سيدة و16 مسعفا و4 صحفيين و5 أجانب، وذلك بعد استخراج 10 جثث جديدة فى مناطق متفرقة من تحت الأنقاض، بينما بلغ عدد الجرحى أكثر من 5500 نصفهم مدنيون. وقدر وزير الاقتصاد الفلسطينى فى حكومة تصريف الأعمال محمد حسونة الخسائر المباشرة على غزة نتيجة العدوان بأكثر من 3مليارات دولار، فيما قدرها جهاز الإحصاء الفلسطينى المركزى ب1.9مليار دولار ووصف لؤى شبانة، رئيس الجهاز القطاع بأنه منطقة منكوبة من النواحى الإنسانية والاقتصادية والصحية والاجتماعية بسبب العدوان الإسرائيلى، موضحا أن 22 ألف مبنى دمرت كليا أو لحقت بها أضرار. وانسحبت القوات الإسرائيلية من مستوطنة نتساريم السابقة جنوب مدينة غزة، وغادرت مواقع حول جباليا وبيت لاهيا شمالا، وتمركزت الدبابات على الحدود داخل الأراضى الفلسطينية،إلا أن إسرائيل أعلنت أنها ستبقى جزءا من قواتها داخل القطاع لمواجهة أى هجمات فلسطينية محتملة، وقال مارك ريجيف، الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، إن «إسرائيل لا تتفاوض مع حماس وأن الدبابات الإسرائيلية ستبقى فى غزة لتأمين الهدوء». فى غضون ذلك، وصف رئيس الوزراء الفلسطينى المقال إسماعيل هنية ما حدث فى غزة بأنه «انتصار إلهى وإنسانى وليس انتصارا لفصيل»، وقال «إننا فى لحظة انتصار استراتيجى لنواصل الطريق لتحرير الأقصى والقدس وإقامة الدولة الفلسطينية»، وأكد أن قوات الاحتلال فشلت فى تحقيق أى من أهدافها وأن المقاومة نجحت فى التصدى لها، وأضاف أنه سيتم تقديم مساعدات إغاثة عاجلة للمتضررين، مشيرا إلى أن «الحكومة المقالة ستقدم معونات عاجلة لكل الأسر الفلسطينية التى تهدمت منازلها»، وقال «إن قرار حماس بإعلان قبولها التهدئة كان حكيما ومسؤولا»، مطالبا باستغلال الحرب إلى حوار وطنى يطوى صفحة الخلاف لتحقيق مصالحة وطنية، كما دعا فى إرسال لجان تحقيق دولية إلى غزة للكشف عن «الجرائم الإسرائيلية»، وإلى تقديم قادة «الاحتلال» إلى المحكمة الجنائية الدولية. بدروه، وجه الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد تهنئة إلى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحماس فى دمشق، على ما سماه «مقاومة» الحركة و«صمودها» و«انتصارها»، وقال خلال اتصال هاتفى مع مشعل إن «صمود المقاومة يكمل مسلسل الانتصارات التى حققتها، وأن انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وكسر الحصار المفروض عليه وفتح المعابر «يمهد لإكمال تلك الانتصارات»، بينما أكد مشعل أن إسرائيل لم تحقق أيا من أهدافها خلال العملية العسكرية. من جانبها، أعلنت قيادات كتائب عز الدين القسام الجناح العسكرى لحماس، أن قدراتها الصاروخية لم تتأثر نتيجة القصف الإسرائيلى المتواصل على القطاع، وأنها ستواصل إطلاق تلك الصواريخ إذا لم تنسحب قوات الاحتلال، وقال الناطق باسم الكتائب «أبوعبيدة» إن 48 من مقاتلى الحركة استشهدوا فى المعارك البطولية الرائعة غير المتكافئة التى خاضوها»، بينما قدر جيش الاحتلال مقتل 500 من مسلحى الحركة، وأضاف إن ما فقدناه من قدراتنا «ضئيل جدا»، مضيفا أن الحركة تقدر عدد قتلى العدو ب80 جندياً، إلا أنه أكد مقتل 49 منهم بشكل مباشر وجرح المئات، وتعهد المتحدث بأن تعيد الحركة تسليح نفسها، وقال «افعلوا ما تشاءون فإدخال السلاح وصناعته هو مهمتنا ونحن نعرف جيدا كيف نحصل عليه، وأكد أن إدخال السلاح ليس تهريبا، ولن تكون أى اتفاقات ولا مؤتمرات حائلا دون مقاومتنا للاحتلال، الذى حشد لهذه الحرب ما يكفى لاحتلال عشرات الدول»، وحذر من أن «جميع الخيارات ستظل مفتوحة» إن لم تلتزم إسرائيل بالمهلة المحددة لسحب قواتها، بينما حذر وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى بالرد العسكرى على تهريب السلاح الذى اعتبره بمثابة هجوم على أراضيها. فى غضون ذلك، قال رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت إن إسرائيل امتثلت لطلب الرئيس مبارك بوقف إطلاق النار فى قطاع غزة بعد 3 أسابيع من الحرب، وأضاف أن بلاده تريد الانسحاب «بأسرع وقت ممكن ما إن يتم ضمان الأمن فى جنوب البلاد»، بينما رجحت صحيفة «يديعوت أحرونوت» اعتزام إسرائيل استكمال سحب قواتها من القطاع قبل تنصيب الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما اليوم لعدم تسبب إحراج له فى بداية توليه السلطة، وأضافت أن الجيش سيبقى على وحدات نظامية، استعداداً لأى تطورات، وقال رئيس الأركان الإسرائيلى جابى أشكينازى إن العملية حققت أهدافها لكنها لم تنته بعد، لحين عودة الهدوء لجنوب إسرائيل. على صعيد متصل،أكد القادة الأوروبيون الذين زاروا القدس أمس الأول بعد مشاركتهم فى قمة شرم الشيخ أهمية تحقيق الأمن لإسرائيل ووقف إطلاق الصواريخ وتهريب السلاح بحرا، وفتح المعابر، ورحب الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى بقرار وقف إطلاق النار، لكنه قال «إنه يجب الذهاب أبعد منه بسحب القوات الإسرائيلية» ودعا إلى مؤتمر دولى كبير للسلام خلال العام الجارى، بينما دعا رئيس الوزراء البريطانى جوردون بروان إسرائيل إلى فتح معابر غزة.