«الولايات المتحدة ستتابع عملها فى نشر الديمقراطية والسلام حول العالم، وهى مصممة على هزيمة الإرهابيين والمتشددين، وسنستمر فى الوقوف إلى جانب شركائنا فى المجتمع الدولى لوضع أسس السلام لأولادنا وأحفادنا». هكذا جاء أحد تصريحات الرئيس الأمريكى جورج بوش حول ضرورة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم ولاسيما فى الشرق الأوسط، ليعبر عن استراتيجة تبنتها الإدارة، فى مرحلة لتغيير النظم السياسية وفى مرحلة أخرى لابتزازها. وظهر الإصرار الأمريكى على نشر الديمقراطية واضحا منذ توليها مقاليد الأمور، غير أن أحداث سبتمبر أكدت هذا التوجه، إذ شنت الولاياتالمتحدة حربى العراق وأفغانستان بدعوى نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان فى البلدين، وذلك بجوار ذريعة أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب. وجاء إنشاء واشنطن ل«المجلس القومى للديمقراطية» ليؤشر على رغبة أمريكية حقيقية فى نشر الديمقراطية فى المنطقة، هذا فضلا عن تصاعد الانتقادات الأمريكية فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر لملفى الديمقراطية وحقوق الإنسان فى دول الشرق الأوسط. وتنوعت التفسيرات التى تناولت أسباب قيام الإدارة الأمريكية بتبنى اتجاه نشر الديمقراطية، حيث رأى البعض أن أمريكا تسعى بالفعل لنشر الديمقراطية للحد من الصراعات فى المنطقة، بينما رأى آخرون أن ذلك يأتى لرغبة واشنطن فى الإطاحة بأنظمة المنطقة وفرض نظم جديدة أكثر «ليبرالية» فى المنطقة، وهو ما اتضح من خلال مساندة واشنطن للحركات الليبرالية فى المنطقة. وجاء صعود الإسلاميين فى المنطقة ليدفع الإدارة الأمريكية للتراجع عن نشر الديمقراطية فى المنطقة، مؤقتا، وذلك بعد أن فاز الإخوان المسلمون للمرة الأولى فى تاريخهم ب88 مقعدا فى مجلس الشعب، وفازت حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، هذا فضلا عن صعود القوى الإسلامية فى المغرب العربى وعدد آخر من الدول العربية. وعلى الرغم من ذلك، أكدت الولاياتالمتحدة أنها مستمرة فى سعيها لنشر الديمقراطية، بل جاء تصريح وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بأن واشنطن لا تمانع فى وصول الإسلاميين للحكم فى الدول العربية. غير أن لهجة الولاياتالمتحدة فى الاعتراض على انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية فى المنطقة تراجعت كثيرا، وجاءت الانتقادات بما يشبه «الابتزاز» للنظم السياسية، لاتخاذ مواقف أكثر ملاءمة للمصالح الأمريكية. ويرى البعض أنه على الرغم من أن إلحاح إدارة بوش على مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان تسبب فى أزمات متصاعدة مع النظم العربية إلا أنه ساعد على تمتع تلك الدول بمساحة أكبر من الديمقراطية ولو لفترة من الزمن. وتشير غالبية التكهنات حول تعامل أوباما مع ملفى الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أنه سيكون أكثر لينا وبعدا عن استراتيجة نشر الديمقراطية التى اتبعتها إدارة بوش، نظرا لأنها أحد المظاهر المميزة لسياسة المحافظين الجدد وليس الليبراليين، كما أنها أحد أهم أسباب الأزمات التى نشأت بين واشنطن والدول الأخرى، فضلا عن أن أوباما لم يركز على موضوع نشر الديمقراطية فى خطبه. لكن من المرجح أن تستمر إدارة أوباما فى مساندة الديمقراطية «شفهيا» لتحتفظ بموقعها ك«رائدة العالم الحر»، لاسيما أن الحديث الأمريكى عن أهمية اختفاء الدول الديكتاتورية ونشر الديمقراطية ليس جديدا ويعود إلى أيام ريجان فى ثمانينيات القرن الماضي، ولكنه من المرجح ألا تضغط الإدارة الأمريكيةالجديدة كثيرا لنشر الديمقراطية حرصا على تحسين علاقاتها مع العالم العربى.