استعدت - وأنا أتابع الهجوم الحالى على دولة قطر - مقالاً كنت قد كتبته منذ فترة أتساءل فيه عن أسباب النقد، الذى يوجه دائماً لهذه الدولة الشقيقة عند مبادرتها لاتخاذ خطوات جادة وحقيقية فى القضايا العربية القائمة - والملحة غالباً - والذى يتسبب كما هو الحال الآن فى انقسام الرأى العربى على مستوى الحكومات مع بعضها وعلى مستوى الشعوب مع حكامها.. فقد كان رأيى، ومازال، أن دروب الخير كثيرة.. ولكن المتسابقين فى الخير ليسوا كثراً.. بل قلائل.. ودولة قطر واحدة من دول الخليج التى دخلت هذا السباق من منطلق أنها دولة تملك ثروات نفطية كبيرة وفكراً متفتحاً.. وفى قطر أقيمت دولة جديدة.. أو بالتعبير المصرى الشعبى «دولة كما يقول الكتاب» أهم ما يميزها أنها اتخذت من فكر السياسة الخارجية مبدأ لها وأساساً. أجيال جديدة فى قطر وفى دول الخليج، هم أبناء حكام جيل ما قبل الستينيات وحتى نهاية القرن الماضى.. أجيال لا تعترف بالميراث والتركة التى خلفها لهم آباؤهم.. ولا تعترف بالمسلمات والثوابت التى تركها لهم أجدادهم.. تعلموا الحياة خارج بلادهم.. تعلموا السياسة والاقتصاد بعيداً عن مؤثرات السلطنة والمملكة.. نظروا للأمور من بعيد.. فكان حكمهم على الأشياء حكماً خالياً من المؤثرات وبعيداً عن الانتهازيين، الذين يحيطون بالملوك والأمراء ويفسدون أنظمة الحكم.. هؤلاء الشباب عرفوا قيمة الحياة وقيمة المشاركة وقيمة التضامن القومى.. تعلموا كيف تبنى الدول.. كيف توضع القوانين.. كيف يخطط للمستقبل.. وكيف يخدم الفكر السياسى دولهم الصغيرة. وشباب حكام قطر أيقنوا أنه لن يبقى لهم ذكرى سوى عملهم فى خدمة أهلهم وأبناء وطنهم.. وفى الخير والعطاء الذى يقدمونه.. وبدأوا بالديمقراطية وفتحوا أبواباً لها فى بلدهم... منتديات للفكر والحوار وحتى للاختلافات والنقد.. واتخذوا من منهج وفكر السياسة الدولية قاطرة لباقى فروع الحضارة.. فأنشأوا أشهر محطات الفضائيات الإخبارية الحرة (قناة الجزيرة الإخبارية) كما سمحوا بقيام المؤسسات الفكرية على اختلاف أيديولوجياتها ومعتقداتها.. ولم يخشوا أحداً من الجيران العرب فى اتهامهم بأنهم يصدرون الأفكار إليهم!! استوعب حكامها دروس التاريخ واستغلوا ثرواتهم فى نشر الأفكار الحرة، ولم يستخدموها فى إثارة قضايا وخلافات مع الدول المجاورة مثل بعض الدول النفطية الأخرى. والمقارنة بين مصر وقطر لن تكون منصفة، فلماذا الشعور بالغيرة؟؟ أو الشعور بقلة الحيلة وقلة الموارد؟ فلكل من الدولتين أسلوبها وظروفها، تجعلها تأخذ طريقاً قد يكون مخالفاً للآخر فى محاولة النهوض بالمستوى الاقتصادى والحضارى لبلده.. ولكن ما يقوم به بعض السياسيين والكتاب المصريين والصحفيين من تلميحات عن حكام قطر وعن أسلوب عملهم وعن أفكارهم لا يخدم أحداً، بل يعود بنا إلى الوراء ويقلل من قيمة وحجم الأعمال التى تصب فى مصلحة المواطن العربى. إن من يبحث عن المصلحة العامة للشعوب العربية لا يرى مانعاً على الإطلاق أن تكون قطر راعياً وطرفاً فى حل المشكلة الفلسطينية، فقد أثبتت وساطتهم نجاحها فى وضع أساسات لحل المشكلة اللبنانية.. فهذا لم ولن يقلل من قيمة أحد.. بل بالعكس يطرح أفكاراً وحلولاً من منظور أبعد قليلاً من تعقيد العلاقة المصرية الفلسطينية، ويفتح مجالاً أوسع بإشراك الدول العربية مجتمعة فى اتخاذ قرارات تحظى بتأييد الجميع مما يجعلها أقرب للتنفيذ على الأرض. إن حكام وحكومة قطر - الممثلة فى شباب جديد - تحدثوا عن الديمقراطية وفتحوا نوافذ لنشر الوعى والتنوير لها فى بلدهم ومساحات واسعة للخلاف فى الرأى وفى وجهات النظر.. وكانت أعينهم وعقولهم على مصر فى كثير من تحركاتهم.. وعندما يدعون علماء أو أصحاب فكر أو سياسيين أو اقتصاديين أو إعلاميين لأى من فعالياتهم، تكون مصر هى الدولة الأولى بالحضور المكثف لمؤتمراتهم وندواتهم.. مهما كانت أهداف هذه اللقاءات.. حتى وإن لم تأت بجديد وكان بالإمكان طرحها فى مصر ودون مؤتمرات، ولكن مجرد الحضور والزيارة يخلق روحاً من الألفة بين الأشقاء، ويضع حداً أدنى لتقريب وجهات النظر.. وهذا هو المطلوب.. أو على الأقل واحد من أهداف هذه المؤتمرات والندوات.. ولن أبالغ بالقول إنهم سوف يحلون شفرة قضايا الشرق الأوسط وإنهم سوف يخرجون أمريكا من العراق وإسرائيل من فلسطين.. ولكن اجتماعهم رحمة.. وأفضل من تفرقهم.. وهو هدف يستحق أن ندعمه جميعاً ونسانده. وما تفعله السيدة حرم السيد رئيس الجمهورية فى مصر من مشروعات تخدم بها المجتمع المصرى لا يعيه أو يفهمه سوى المصريين، الذين يشعرون بحاجتهم إلى تلك المشروعات.. وبالتالى ما تقوم به الأسرة الحاكمة وعلى رأسها الشيخة موزة فى قطر من مشروعات تنموية وإنشاء مؤسسات وكيانات ثقافية وعلمية.. لا يقدره ويفهمه سوى القطريين من أبناء البلد.. وهن يلقين تقديراً واحتراماً إقليمياً وعالمياً.. فمضمار سباق الخير والمعرفة عريض وطويل ويستوعب كل الجهود.. مصدره قطر أو مصر أو غيرهما.. لا يهم. لا شك أن امتلاك الثروات محنة.. وولاية الشعوب محنة أكبر.. واختبار من الله - سبحانه وتعالى - وسيسأل عنها يوم القيامة كل الحكام والقادة ماذا فعلتم؟ هل شاركتم فى إعمار الأرض؟ أم فى خراب النفوس والذمم والمؤامرات والتخريب؟ وإذا كانت دولة صغيرة مثل دولة قطر تحاول أن تجتهد وتقوم بمبادرات ومؤتمرات.. فهناك دول أخرى تملك مثل ما تملك.. لكننا لا نتذكرها.. وليست أكثر من اسم على خارطة الوطن العربى.. فهل تتساوى الدولتان؟ فلماذا الهجوم والنقد إذاً؟ خاصة ونحن فى أشد الحاجة إلى جهود وتآزر كل الدول العربية!! نعِيبُ على قطر.. والعَيبُ فينا وبأيدينا.. وننسى أنه سباق فى الخير ولمصلحة شعوبنا.. سواء كان بنوايا مصرية أو قطرية، فالكل يحاول أن يخلص النية لخير الأمة كلها. ولن ننسى أبداً.. أن مصر دولة وحضارة وتاريخاً.. برجالها ونسائها وشبابها.. قد تهتز لبعض الوقت.. ولكنها قيمة كبيرة وباقية، وفى النهاية لا يصح إلا الصحيح.